ما هو المرض النفسي ؟ وكيف يمكن تعريفه ؟
إذا كان الطب قد أحيط عبر التاريخ بشيء
من الغموض والخرافات ، فإن هذا الأمر أكثر ما يتجلى في مجال الأمراض النفسية
والعقلية . فما تزال هناك الكثير من العقبات والصعاب في طريق من يحاول أن يستوعب
مظاهر أمراض الدماغ ، والأمراض النفسية بشكل عام ( 23 ) .
وبشكل عام يستطيع
الواحد منا أن يفهم الأمراض الجسدية العضوية من التهابات ، وجروح ، وكسور بشكل
أسهل من فهم الأمراض النفسية ، وكذلك يستطيع الإنسان أن يشعر بشعور المصاب بالتهاب
أو كسر ، فهذا المريض ما هو إلا " مثلي " ، ولكن يصعب على الإنسان أن
يعتبر نفسه " مثل " المصاب بالأمراض النفسية ، ولذلك يشعر الكثير من
المرضى النفسيين بالعزلة عن بقية الناس بسبب مرضهم ، وبسبب موقف الناس منهم ، وحتى
قد يعاني البعض منهم من سوء المعاملة من جراء اختلافه عن الآخرين .
وفي مجال الأمراض الجسدية يسهل على الطبيب
أن يؤكد وجود المرض أو الإصابة عن طريق صور شعاعية ، أو تحليل مخبري ، ولكن يصعب
هذا الأمر في الأمراض النفسية ، والتي قد لا تتجلى بعلامات جسدية عضوية للمرض .
فالمرض النفسي يلاحظ عادة من خلال سلوك المصاب أو دلائل مشاعره وتفكيره ، أو في
أسلوب نظرته للعالم من حوله ، أو كل هذه الأمور مجتمعه .
ولدى الطبيب النفسي وسيلة للدخول إلى عقل
المصاب ليؤكد تشخيصه للمرض ، ولكن المرض النفسي يتوقع عادة عندما يختل واحد من
ثلاثة جوانب في حياة الإنسان النفسية ، وتصبح غير " طبيعية " أو غير
صحية ، وهذه الجوانب هي :
1 – التفكير .
2 – المشاعر .
3 – السلوك .
ولكن
هذا قد يثير سؤالا آخر محيرا ، وهو : ما هو " الطبيعي " وما هو الصحي
السليم " ؟
فنحن
لا نستطيع مثلا أن نعتبر الإنسان مريض نفسي لمجرد أنه يشعر بالاكتئاب والحزن
الشديد ، وقد لا يوجد هناك أحد من الناس يعيش كامل حياته دون أن تمر به مرحلة من
القلق أو الخوف .
ويمكن
لتبسيط الموضوع أن نعرف المرض النفسي بأنه :
"
حالة نفسية تصيب تفكير الإنسان أو مشاعره أو حكمه على الأشياء أو سلوكه وتصرفاته
إلى حد تستدعي التدخل لرعاية هذا الإنسان ، ومعالجته في سبيل مصلحته الخاصة ، أو
مصلحة الآخرين من حوله " .
وبشكل عام ، نقول بوجود المرض النفسي إذا
كان هناك تغير في سلوك الإنسان أو تفكيره ومشاعره لدرجة تؤثر سلبيا في مجرى حياته
، أو لحد تسبب فيه الإزعاج الشديد له أو لغيره ممن حوله . ومن الأمور المساعدة هنا
أن نتصور الصحة النفسية وكأنها مجال واسع يمتد بين الصحة التامة والمرض الأكيد ،
آخذين بعين الاعتبار أنه يصعب جدا التحديد الدقيق للنقطة التي تنتهي عندها الحالة
الصحية لتبدأ الحالة المرضية غير السوية .وقد يتفاوت وضع الإنسان على هذا المجال
بين الصحة والمرض ، من وقت لآخر . وبين هذين القطبين هناك منطقة مبهمة في الوسط ،
حيث يكون فيها بعض حالات القلق ، أو الاكتئاب الخفيف ، والتي قد يختلف الناس في
تسميتها " بالمرض " ، أو أنها " حالة طبيعية في ظروف صعبة غير
طبيعية " . ومن الحالات التي تقع في المنطقة المبهمة ، الحالات العاطفية
والتي قد تكون ردات فعل ( استجابات )
متوقعة ، لبعض الحوادث ، مثل الحزن عقب وفاة قريب ، أو الأسى بعد عملية استئصال جراحية .
xx |