عصاب الهستيريا

Hysteria Neurosis
اشتق هذا الاسم من اللفظ اللاتيني للرحم
" هستيرون " لأن الفكرة الشائعة في ذلك الوقت ، أن هذا المرض يصيب
النساء فقط ، وأن سببه هو انقباضات عضلية في الرحم ... وبالطبع فقد ثبت خطأ هذه
التسمية ، فإن مرض الهستيريا يظهر في الرجال ولو أنه أكثر شيوعا في النساء وليس له
علاقة بالرحم (3)
تعريف الهستيريا :
مرض نفسي عصابي ،
تظهر فيه اضطرابات انفعالية مع خلل في أعصاب الحس والحركة . وهي عصاب تحولي تتحول
فيه الانفعالات المزمنة إلى أعراض جسمية ليس لها أساس عضوي ، لغرض فيه للفرد أو
هروبا من الصراع النفسي ، أو من القلق ، أو من موقف مؤلم بدون أن يدرك الدافع لذلك
، وعدم إدراك الدافع يميز مريض الهستيريا عن المتمارض الذي يظهر المرض لغرض محدد
مفيد .
وفي الهستيريا تصاب
مناطق الجسم التي يتحكم فيها الجهاز العصبي المركزي ( الإرادي ) مثل الحواس وجهاز
الحركة . وهذا غير المرض النفسي الجسمي ، حيث تصاب الأعضاء التي يتحكم فيها الجهاز
العصبي الذاتي ( اللاإرادي ) .
الهستيريا مرض نفسي متعدد الأنواع ، فهناك
من يطلق أسم الهستيريا التحولية Conversion ، أو رد فعل التحويل Conversion
Reaction، أي التي تعني تحويلا جسميا لأمور نفسية نظرا لأنها تعتمد على
حيلة دفاعية نفسية أساسية هي التحويل ، حيث تحول الإنفعالات والصراعات إلى أعراض
جسمية كحل رمزي للصراع ، وهناك الإغماء
الهستيري Hysterical Trance ،
ويتمثل في نوبات يفقد المريض وعيه ، وقد يتصلب جسمه أو يهذى بكلمات لا معنى لها أو
يأتي بحركات شاذة . وهناك التجوال النومي Somnambulism ، ويتمثل في المشي أثناء النوم ، والقيام
بنشاط حركي وإنجاز أعمال والفرد في حالة نوم ، وعندما يستيقظ الفرد فإنه غالبا لا
يتذكر ما فعله أثناء تجواله النومي . كما أن هناك نوعا آخر من الهستيريا يشبه
هستيريا التجوال النومي وهو المعروف " بالتجوال اللاشعوري " Fugue
، ويتمثل في فقدان المريض لذاكرته لفترة طويلة ، فينسى نفسه وبيته وأهله وعمله ،
ويخرج متجولا لفترة قد تطول أياما أو شهورا ، ويقوم أثنائها بأعمال ويزاول أنشطة
ويجوب مناطق وبلادا ، حتى إذا أفاق من نوبة التجوال اللاشعوري هذا عادت إليه
ذاكرته وتعرف على نفسه ورجع إلى بيته وأهله وعمله . وغالبا ما فعله أثناء نوبة
التجوال .
ومن أنواع الهستيريا أيضا تعدد الشخصية Multiple
Personalities ، فيعيش المريض فترة في شخصية معينة ، وفترة أخرى في شخصية غيرها
، ثم تعاوده الشخصية الأولى لفترة أخرى ، وهكذا يعيش بالتناوب شخصيتين أو أكثر .
وغالبا لا يتذكر المريض الشخصية التي سبق أن عاشها في الفترة السابقة ، بل ربما
أشار إليها على أنها شخصية فرد آخر خلافه مستخدما لها اسما معينا أو ضمير
"هو" . وكثيرا ما تكون الشخصيات المتبادلة ، التي يعيشها مريض تعدد الشخصية
، شخصيات متكاملة في دوافعها ورغباتها وخصائصها ، ومقطوعة الصلة أو تكاد إحداها
بالأخرى . وعموما فحالات الهستيريا المتعددة الشخصية من الحالات النادرة جدا والتي
تستهوي الروائيين وتلهب خيالهم .
أسباب الهستيريا :
فيما يلي أهم أسباب
الهستيريا :
1 – الوراثة :
وتعلب دورا ضئيلا للغاية ، بينما تلعب
البيئة الدور الأكبر ، ولوحظ أن ( 6 % ) من إخوة المرضى ، وكذا ( 15 % ) من
أبنائهم مصابون بنفس المرض ، ونعزو هذا إلى الوراثة ، كما نعزوه إلى الإيحاء
البيئي والميل إلى التقليد . بينما يرجع
بافلوف وأنصار التفسير الفسيولوجي ذلك إلى ضعف قشرة المخ ، بسبب الاستعداد الوراثي
، وعادة ما يكون المريض الهستيري ذا تكوين جسمي نحيف واهن (7) ، ولكن يمكن حدوثها
في أي تكوين جسمي آخر (18).
2 – الأسباب النفسية للهستيريا :
الصراع بين الغرائز والمعايير
الاجتماعية ، والصراع الشديد بين الأنا الأعلى وبين الهو ( وخاصة الدوافع الجنسية
) ، والتوفيق عن طريق العرض الهستيري ، والإحباط وخيبة الأمل في تحقيق هدف أو مطلب
، والفشل والإخفاق في الحب ، والزواج غير المرغوب فيه ، والزواج غير السعيد ،
والغيرة ، والحرمان ونقص العطف والانتباه وعدم الأمن ، والأنانية والتمركز حول
الذات بشكل طفلي . وعدم نضج الشخصية وعدم النضج الاجتماعي ، وعدم القدرة على رسم
خطة للحياة ، وأخطاء الرعاية الوالدية مثل التدليل المفرط والحماية الزائدة ...
إلخ ، والضغوط الاجتماعية والمشكلات الأسرية والتوتر النفسي والهموم ، والرغبة في
الهروب منها ، والرغبة في العطف واستدرار اهتمام الآخرين ، والحساسية النفسية
وسرعة الاستثارة وعدم النضج الانفعالي والضغوط الانفعالية والصدمات الانفعالية
العنيفة وكبتها والهروب منها عن طريق تحويلها إلى أعراض هستيرية .
3 – كون أحد الوالدين شخصية هستيرية :
فيأخذ الطفل عنه (
اكتسابا ) سمات الشخصية الهستيرية .
4
– ومن الأسباب المباشرة للهستيريا ، فشل في حب أو صدمة
عنيفة أو التعرض لحادث أو جرح أو حرق ... إلخ (7).
5 – شخصية المريض قبل المرض :
تتصف عادة بميله إلى
حب الطهور واستدرار العطف ، وحب الذات وحب التملك ، كما يتصف المريض عادة
بالمبالغة والتهويل في كل الأمور ، وقد يطلق على هذه الشخصية اسم " الشخصية
الهستيرية (18) .
أعراض الهستيريا :
قد يكابد المريض الهستيري أعراض نوع واحد
أو أكثر من أنواع الهستيريا وعلى مستويات مختلفة من الشدة ، مضافا إليها بعض
الأعراض العامة للهستيريا : مثل اضطراب الذاكرة ، أو شدة القابلية للإيحاء ، أو
سرعة تقلب المزاج ، أو اضطراب بعض الوظائف النفسية
ولكن لا توجد كل أعراض الهستيريا في
مريض واحد ، وفيما يلي أهم أعراض الهستيريا :
1 – الأعراض العامة للهستيريا :
المرض عند بداية المدرسة ، أو عند
الامتحانات ، ردود الفعل السلوكية المبالغ فيها للمواقف المختلفة ، المرض يمرض
عزيز مات به ، العرض كامتداد تاريخي لمرض عضوي سابق .
2– الأعراض الحسية للهستيريا :
وتشمل العمى الهستيري ، الصمم الهستيري
، فقدان حاسة الشم ، فقدان حاسة الذوق ، فقدان الحساسية الجلدية في عضو أو في عدة
أعضاء ، الخدار الهستيري ( انعدام الحساسية العامة ) ، الألم الهستيري (7) .
3 – الأعراض الحركية للهستيريا : وتشمل
الشلل الهستيري ( النصفي أو الطرفي أو في الجانبين أو القعاد ) ، الرعشة الهستيرية
، التشنج الهستيري ، والتقلص ، والمشي بطريقة شاذة ، واللوازم الحركية ، وتسمى هذه
جميعا مظاهر حركية إيجابية ، وهناك مظاهر حركية سلبية كالصرع الهستيري ، عقال
العضل ( خاصة في اليد وخاصة أثناء الكتابة وهو ما يسمى عقال الكاتب ) ، وفقدان
الصوت أو النطق ، والخرس الهستيري ، وفيها تقل الحركة أو تنعدم (7) ، وارتجاف
الأطراف والغيبوبة (3 )
4 – الأعراض العقلية للهستيريا :
وتشمل اضطراب الوعي ، الطفلية الهستيرية
( السلوك أو التكلم كالأطفال ) ، وفقدان الذاكرة ، وحالات الشرود ، أو نوبات
الإغماء أو ازدواج أو تعدد الشخصية والجوال الليلي ، والتجوال ( وهنا يترك المريض
بيته أو عمله ، ويخرج على غير هدى في تجوال أو رحلة ثم يعود ولا يذكر عن هذه
الرحلة شيئا ) ، أو المشي أثناء النوم ( وهنا يسير المريض أثناء نومه ، وغالبا ما
تحدث هذه الحالة في سن الطفولة ، وتختلف هذه الحالة عن التجوال في أنها تحدث أثناء
النوم ، ولفترة قصيرة ، ويكون المريض على علاقة ضعيفة بمن حوله (18).
5
– الأعراض الحشوية :
وتشمل فقد الشهية
والشره ، والإفراط في الشرب والقيء ، ونوبات الفواق ( الزغطة ) وغيرها (18) ،
والصداع والآلام المختلفة في الجسم ( 3).
6 – أعراض أخرى :
مثل التهاب الجلد الزائف ( وهو مرض يتصف
بأن المريض يحدث في جلده خدوشا دون وعي منه ، ويحدث ذلك عادة أثناء النوم ) تشخيص
الهستيريا :
1
– يجب المفارقة بدقة بين الهستيريا والمرض العضوي ، وعلى الأخصائي التأكد من الخلو
من الأسباب العضوية للأعراض ، واستبعاد وجود مرض عضوي .
2
– ويجب عدم الخلط بين أعراض الهستيريا وبين أعراض المرض النفسي الجسمي كما هو
موضح في الجدول التالي :
الهستيريا
|
المرض النفسي الجسمي
|
تصيب
الأعضاء التي يسيطر عليها الجهاز العصبي المركزي
|
يصيب
الأعضاء التي تسيطر عليها الجهاز العصبي الذاتي
|
الأعراض
تعتبر تعبيرات رمزية غير مباشرة عن دوافع مكبوتة وتخدم غرضا شخصيا لدى المريض
|
الأعراض
عبارة عن نتائج مباشرة لاضطرابات انفعالية تخل بتوازن الجهاز العصبي الذاتي
|
3
– ويجب أيضا عدم الخلط بين أعراض الهستيريا وبين أعراض التفكك .
4
– ويجب التفرقة بين الهستيري والمتمارض ، فالهستيريا لاإرادية ، والهستيري لا
يبالي بأعراضه ، ولا يعيرها اهتماما كبيرا ، بينما التمارض إرادي والمتمارض يعير
أعراضه اهتماما زائدا ، ويدرك الفائدة التي يجنبها من وراء تمارضه .
وعلى
العموم تدل العلامات التالية على حالة الهستيريا :
*
حدوث المرض فجأة أو في صورة درامية .
*
نقص قلق المريض ، بخصوص مرضه ، وعدم مبالاته وهدوئه النفسي ، وهو يتحدث عن أعراض
مرضه .
*
الضغط الانفعالي قبل المرض .
*
وجود مكسب ثانوي من وراء المرض .
*
تغير الأعراض بالإيحاء .
*
اختلاف شدة الأعراض في فترة وجيزة .
*
عدم النضج الانفعالي في الشخصية قبل المرض .
*
نقص الارتباط بين الأعراض والناحية التشريحية للأعصاب الحسية والحركية ، لأن
المريض ليس طبيبا ، والمرض ليس عضويا أصلا ، فنجد نمط فقد الإحساس غير ثابت ن وفقد
الإحساس لا يتطابق مع التوزيع التشريحي ... وهكذا .
علاج الهستيريا :
فيما يلي أهم ملامح
علاج الهستيريا :
1 – العلاج النفسي للهستيريا :
وهو أهم أنواع العلاج في هذا المرض لأنه
يتناول تركيب الشخصية بهدف تطويرها ونموها ، وقد يستخدم الأخصائي التنويم الإيحائي
لإزالة الأعراض . ويلعب الإيحاء والإقناع دورا هاما هنا ، ويستخدم التحليل النفسي
للكشف عن العوامل التي سببت ظهور الأعراض والدوافع اللاشعورية وراءها ومعرفة هدف
المرض . ويقوم المعالج بالشرح الوافي والتفسير الكافي للأسباب ، ومعنى الأعراض .
وكذلك يفيد العلاج التدعيمي ومساعدة المريض على استعادة الثقة في نفسه ، وتعليمه
طرق التوافق النفسي السوي ، والعيش في واقع الحياة . ويستخدم العلاج الجماعي خاصة
مع الحالات المشابهة ، ويجب أن يعمل المعالج باستمرار على إثارة تعاون المريض
وتنمية بصيرته ومساعدته في أن يفهم نفسه ، ويحل مشكلاته ، ويحاربها بدلا من أن
يهرب منها ، ويقع ضحية لها . ويلاحظ أن بعض المعالجين يستخدمون نوعا من الحقن (
أميتال صوديوم ) ، لتسهيل عملية التنفيس والإيحاء والإقناع ( التحليل التخديري ) .
2 – الإرشاد النفسي للوالدين والمرافقين
كالزوج أو الزوجة :
وينصح بعدم تركيز العناية والاهتمام
بالمريض أثناء النوبات الهستيرية فقط ، لان ذلك يثبت النوبات لدى المريض لاعتقاده
أنها هي التي تجذب الانتباه إليه .
3 – العلاج الاجتماعي والعلاج البيئي لحالات
الهستيريا :
ويتجه إلى تعديل الظروف البيئية
المضطربة التي يعيش فيها المريض بما فيها من أخطاء وضغوط أو عقبات حتى تتضمن حالته
، وبذلك يتمكن المريض من التغلب على العقبات بطريقة أقرب إلى الواقع وفي بعض الأحوال قد تضطر إلى إبعاد المريض عن
الجو الذي يثبت العرض بعض الوقت (18)
4 – العلاج الطبي لأعراض الهستيريا :
وفي ذلك أيضا حفظ لماء وجه المريض ،
ويستخدم علاج التنبيه الكهربائي أو علاج الرجفة الكهربائية . وفي بعض الأحيان يلجأ
المعالج إلى استخدام الدواء النفسي الوهمي Placebo ، ويفيد فائدة كبيرة .
مآل الهستيريا :
يلاحظ أن حوالي ( 50
% ) من مرضى الهستيريا يتم شفاؤهم تماما مع العلاج المناسب ، وأن حوالي ( 30 % )
يتحسنون تحسنا ملحوظا ، وأن حوالي ( 20 % ) يتحسنون تحسنا بسيطا أو تستمر معهم
الأعراض .
وعلى العموم يكون مآل الهستيريا أفضل :
كلما كان بدء المرض فجائيا وحادا واستمر لمدة قصيرة قبل بدء العلاج ، وكلما كان
المكسب من وراء المرض ليس كبيرا ، وكلما كانت العلامات الشخصية والأسرية سليمة
نسبيا ، وكلما كان المريض متوافقا مهنيا .
وفيما يلي وصف حالتين من حالات
الهستيريا :
الأولى
تغلب عليها الأعراض العضوية التي تتمثل في تقلص حركي لاإرادي ، والثانية تمثل
نموذجا للأعراض العقلية ، وهي حالة طفلية هستيرية :
الحالة الأولى :
سيدة ، ربة منزل ، عمرها ( 28 سنة ) ،
متزوجة ، وليس لها أولاد ، تقيم في أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة ، تشكو من
انتفاضة متكررة في ساقها " نترة – رعشة " ، وفواق " زغطة " ،
وصداع ، ودوخة ...
وبملاحظة انفعالاتها ، لم نستطع أن نجد
علاقة بين شكواها وما يبدو عليها من مشاعر ، فكانت تقول : " .... صداع فظيع
.... حيموتني .... رأسي حتفرقع .... مش قادر استحمل ... " ، وهي تبتسم في دعة
وطمأنينة ، وقد ابتدأ المرض بعد موت والدها مباشرة ، وكانت تبلغ من العمر اثنى عشر
عاما .... " كنت باحبه حب مش معقول ... بعد وفاته حصلي إغماءات مستمرة ، أقعد
ساعة وساعتين مش واعية لنفسي " . وكانت ترغب في إكمال دراستها ، ولكن الظروف
الاجتماعية والاقتصادية – بعد وفاه والدها – حالتا دون ذلك ، ثم تزوجت من زوجها
الحالي ، وهو سعودي الجنسية والإقامة ، وفي مثل سن والدها ، تزوج قبلها ست مرات ،
وكانت إحداهن لا تزال في عصمته ، رغم انفصاله المؤقت عنها ... وقد كان الزواج بناء
على رغبة المريضة شخصيا ، حيث رفضت كل الشبان الذين تقدموا لها ، وفضلت زوجها هذا
عليهم ، ثم عاودها المرض حين أرجع زوجها زوجته الأولى إلى عشرته " .....
وحصلي شلل في رجلي الشمال ، ودخت ، وغبت عن وعيي ، وقمت لقيت رجلي بتنتر ... ولسه
بتنتر لحد دلوقت .... " . وقد حضرت المريضة إلى وطنها مصر للعلاج ، واستمرت
فيه مدة سنتين على نفقة زوجها ، وهي لا تريد الرجوع إليه ، لأن عواطفها قد تغيرت
تجاهه ...." .... أنا حاسة إني باكرهه دلوقتي ، وعايزه أسيبه ... إنما مش
قادرة .... " .
وبفحص المريضة عضويا ، تبين أن جسمها سليم
تماما ، وظهر من الأبحاث بما في ذلك رسم المخ الكهربائي ، أن التركيب العضوي خال
من أي مرض يفسر هذه الظواهر .
وقد تبين من الفحص النفسي ، أنها تتصف
بضحالة العواطف وتقلبها ، " أكون زعلانة وبابكي ، واحد قال حاجة تضحك ...
أضحك على طول والدموع لسه في عيني ... وأن الحركة التي تعاودها مظهر خاص ، فهي
تبدو كأنها ترفص أحد أمامها ، وكأن لها دلالة رمزية ، تشير إلى رفض شيء أو شخص ما
.... كذلك تبين أن شكواها لا تتفق مع حقيقة شعورها ، وكان حديثها يتصف بالمبالغة
والتهويل ...
فإذا درسنا تاريخ نضجها العاطفي، وجدناها
متعلقة بأبيها بدرجة غير عادية ، وزاد من تعلقها به موته ، وهي تخطوا أولى خطوات
المراهقة ، الأمر الذي يفسر زواجها من بديل له ، لا يلائم سنها ولا طبيعتها ،
وهكذا نشأ الصراع بين التعلق بالزواج كبديل للأب ، وبين رفضها له من الناحية
الموضوعية لكبر سنه ومعاشرته أخرى ... واختلاف طباعهما وتنافرها .... " .
ونحب أن نشير هنا إلى أن المكاسب التي
حققها العرض ثبتته ، وجعلته متأصلا ، فقاوم العلاج مقاومة عنيفة واستمر لمدة طويلة
.... كما أن ظهور العرض أمكن المريضة من العودة إلى مصر ، بين أهلها وذويها ، وهيأ
لها حياة اقتصادية طيبة بما يرسله إليها زوجها من نفقات ، كما حقق حاجتها إلى
الرعاية والاهتمام ، وذلك بترددها على الأطباء ، وإثارة العطف والشفقة من حولها
.... إلخ .
وقد أتاح المرض تأجيل البت في إنهاء
العلاقة الزوجية بما يترتب عليه من هبوط المستوى المادي ، واحتمال عدم الزواج
ثانية ، والوحدة .... إلخ .
إذن فالمرض أبعدها عن زوجها في ذات الوقت
الذي ساعد على الاحتفاظ به ، وقد كانت المريضة تتحسن جزئيا بالعلاج ، ولكن العرض
كان يعاودها بمجرد تصور انقطاع العلاج أو الحديث عن الشفاء التام والعودة إلى
ممارسة واجباتها .
ففي الوقت الذي ستشفى فيه سترجع إلى زوجها
، حيث يثار الصراع ثانية ... أو على الأقل ستنقطع النفقات الجارية .... وهكذا
تتمسك بالمكاسب التي حققها المرض ، فتقاوم الشفاء أيما مقاومة .
الحالة الثانية :
آنسة ، طالبة ، عمرها
( 19 سنة ) ، في السنة الثانية الثانوية النسوية ، لم تتزوج ، تقيم في القاهرة ،
جاءت تشكو من حالة غريبة تنتابها : " لساني بيتموج ، مابقدرش أعدله ، أتكلم
زي العيال الصغيرين ، ساعات أبقى دارية بالحكاية دي ، وساعات أفتكرها بعدين ،
والحكاية دي بتقعد يوم أو يومين ، دايما صداع في دماغي بين النوبات دي ، أذاكر
أنسى المذاكرة ، بانسى كثير اليومين دول ، نفسي مسدودة عن الأكل " .
وصفت حالتها والدتها بأنها : " بتبقى
عاملة زي العيال بتاعة أربع سنين ، ودي حاجة تكسف قدام الجيران ، وفي المدرسة
وبتبقى فرجة ، أصلي أنا مش عايزة تطلع على البنت سمعة ، وحاكم أنا ما بعتقدشي في
الأسياد ، لأني مثقفة وكنت مدرسة إبتدائي ، وهوه ( زوجها ) اللي قعدني في البيت .
وبدراسة الجو الأسري ، ثبت أن عدم التوافق
بين الزوج والزوجة شديد جدا ، وأن المريضة عجزت عن وقف الشجار بينهما ، وبالتالي
عن اكتساب بعض الاهتمام الحقيقي بها وبإخوتها بدلا من " ..... النقار طول
الليل والنهار .... " . فأخذت تنزوي في حجرتها ، وتبكي ثم ظهرت الأعراض ،
وتقول الزوجة عن حياتها الزوجية وعن زوجها " .... ماشيين في خطين ، قصاد بعض
، مش حنتقابل أبدا ، هوه معندوش شخصية ، وعنده مركب نقص ، وأكبر مني في السن ، كان
أعمال كتابية ، وأخذ شهادة خدمة اجتماعية من 6 سنين بس .... مع إن عنده ( 52 سنة ) ، وفاهم ، أنه عالم نفساني يقدر
يعالج الناس كلها ... مع إنه هوه اللي عنده شك في الناس وفي تصرفاتي ، وكان سبب
ضياع مستقبلي ، لأنه خلاني أسيب شغلي ... أما الأب فكان رأيه أن ثقافة زوجته
وتدليل إخوتها لها في الصغر هما سبب المصائب ، وأنها مدعية وتظهر العناية بأولادها مع أنها السبب في مرض
ابنتها .
هذا وقد تطور اكتئاب الزوجة – أثناء علاج
ابنتها – حتى وصل إلى حد الأفكار الانتحارية ، بل ومحاولة الانتحار فعلا ، الأمر
الذي اضطرنا إلى قطع الحلقة المفرغة ببضعة جلسات كهربائية ( للأم ) ، ثم استكمال
العلاج النفسي والاجتماعي للأسرة .
وهكذا
نرى كيف ظهرت هذه الأعراض الهستيرية ، هروبا من جو أسري مريض ، وكوسيلة لجذب
الانتباه ، والاحتجاج ، كما نلاحظ وجود صداع بين النوبات ، نتيجة لوجود صراع داخلي
تحله الأعراض مؤقتا ، لذلك يختفي الصداع ، مع ظهور الأعراض ، ويعود مع اختفائها ( 18). xx |