ذهان الفصام الشيزوفرينيا

Schizophrenia تعريف الفصام :
       مرض عقلي - ذهاني - يؤدي إلى عدم انتظام الشخصية ، وإلى تدهورها التدريجي . ومن خصائصه الانفصام عن العالم الواقعي الخارجي ، وانفصام الوصلات النفسية العادية في السلوك . والمريض يعيش في عالم خاص بعيدا عن الواقع ، وكأنه في حلم مستمر .
       والمعنى الحرفي للمصطلح الإنجليزي هو انفصام العقل .
       ويعرف الفصام أحيانا باسم " انفصام الشخصية " أي تشتت وتناثر مكوناتها وأجزائها . فقد يصبح التفكير والإنفعال كل في واد . والفصام يعني أيضا تفكك الذات .
ويختلف الفصام أو انفصام الشخصية عن ازدواج الشخصية الذي يعتبر أحد أشكال التفكك .
       وكان الفصام فيما مضى يعرف باسم " الخبل المبكر أو خبل الشباب أو جنون المراهقة " Dementia Praecox (7 ).
       وعندما كتب ميليس كولبن عن الفصام وضع عنوانا له " Schizophrenia 0r Split Mind "  " الفصام أو العقل الممزق"(34 )  إشارة إلى أن هذه المرض .. يمزق العقل ، ويصيب الشخصية بالتصدع  فتفقد بذلك التكامل والتناسق الذي كان يؤائم بين جوانبها الفكرية والانفعالية والحركية والإدراكية ، وكأن كل جانب منها أصبح في واد منفصل عن بقية الجوانب ، ومن هنا تبدو غرابة الشخصية وشذوذها .
       من كل ما سبق نقول أن الفصام مرض عقلي يتميز بأعراض متنوعة أهمها الميل إلى الانسحاب من الواقع ، والجنوح إلى التدهور التام للشخصية في نهاية الأمر ، وهو يظهر في مجال العاطفة في صورة ثنائية الوجدان ، أو تناقض الشعور والوجدان ، وسرعة تذبذب العواطف  ولا توافق العواطف مع الفكر أو السلوك العملي ، وأخيرا فقد الشعور واللامبالاة .
       أما في مجال السلوك العملي والإرادة ، فإنه يظهر في شكل سلوك حركي شاذ ، وميل إلى الخلف ، وأحيانا ذهول تام .
       وفي مجال التفكير والإدراك ، فإنه يظهر أساسا في شكل سوء تأويل المدركات ، والعجز عن التجريد ، وتفكك الأفكار ، وتكاثفها ، وقد توجد هلاوس وضلالات غير منظمة في العادة (18)
       وعلى الرغم من شيوع الاعتقادات بأن الفصام ذهان وظيفي إلا أن كثيرا من الدراسات الحديثة تشير إلى وجود عوامل وراثية وعضوية وراء الإصابة بالفصام .
تصنيف الفصام :
ويصنف الفصام حسب الأعراض السائدة إلى عدة أنماط اكلينيكية  ويلاحظ أن هناك تداخلا وتغيرا من نمط إلى نمط مع تقدم المرض إلى أربعة  أقسام هي :


1 – الفصام البسيط : Simple Schizophrenia :
ويختص بأعراض الانسحاب والبعد عن الواقع (7) . ولا يلحظ ذلك إلا أفراد أسرة المريض . وإذا بدأ المرض في مرحلة المراهقة مثلا  فإنه تبدو عليه حالات الكسل الدائم ، التبلد الانفعالي ، والتبلد الوجداني والعاطفي ، وكل ذلك دليل على تدهور في الشخصية (17).
وفيما يلي حالة تدل على خصائص هذا النوع :
       سيد عمره ( 27 سنة ) ، طالب بالثانوية الأزهرية في مصر ، ويقيم في طنطا ، وهو من إحدى القرى المجاورة ، جاء يشكو من آلام عامة غير محددة ، وعدم القدرة على التركيز ، وعدم القدرة على الاستيعاب أو الاستذكار ، وعدم القدرة على دخول الامتحان ، وأرق يتناوب مع إفراط في النوم ، ويقول : " .... أول ما حسيت إني عيان من كام سنة ، كنت دخلت الامتحان وسقطت ، ولقيت دماغي فاضية ، وبعدين لقيت زي حاجة شاذة في دماغي كدة ، زي ما أكون مش قادر أفكر ... ، ما عرفش أذاكر ... ما عرفش أحصل حاجة " ، ثم يقول : " عايز جو هادئ ، ولو أقعد لوحدي طول النهار ما يجراش حاجة ... والحكاية دي عمالها تزيد ... وأخذت صدمات في طنطا ، ولارجاكتيل ، ومفيش فايدة " .
       وقد عمل له اختبار ذكاء ، وتبين أنه فوق المتوسط ، مما لا يفسر تخلفه الدراسي ، وعدم استطاعته التحصيل بأي درجة مفيدة .
       وبالفحص تبين أنه لا يستطيع البت في أي أمر يخصه ، وبلغ تردده واختلاط فكره ، أنه مهما سئل عن أهم الأمور يجيب " ما عرفش ... مش قادر أحكم ... بيتهيأ لي ... " ، وكان متبلد الشعور حتى أطلق عليه المرضى في القسم " نثقيل الظل " ، ولم يظهر عليه أي عرض آخر كالضلالات والهلاوس ... وقد أدخل القسم ، وأعطي علاج غيبوبة الأنسولين ، وتحسن قليلا ، ولكنه بعد خروجه عاد إلى أول عهده ، وتتبعنا حالته أربع سنوات ، فازداد عزوفا عن الناس ، وزاد تبلد عواطفه ... وضعف إرادته ، فلم يحاول الالتحاق بعمل ما ، رغم ضعف مستوى أسرته الاقتصادي (18).
2 – الفصام المبكر ( الهبيفريني أو الخامل ) : Hebephrenia Schizophrenia :
وهذا النوع من الفصام يمكن أن يبدأ أيضا في مرحلة المراهقة ، لكنه يبدأ أحيانا في سن (7) من العمر ، ويختلف عن النوع البسيط من الفصام في أنه يكون حادا في بداياته ( 17 ) ومن أهم أعراضه التوحد الكوني المغرب ( 4 ) وله شكلان ( تصلبي وهياجي) (7 ) .
وفيما يلي حالة تدل على خصائص هذا النوع :
       تلميذة أنهت مرحلة الإعدادي بتفوق ظاهر ، حتى نالت جائزة في عيد العلم ، وفجأة وهي في السنة الثانية الثانوية ، توقفت عن الاستذكار  ورفضت الذهاب إلى المدرسة ، وأخذت تتكلم كلاما غير مفهوم ، ثم اشترت عددا من الكراسات ، وأخذت تكتب فيها مقالات تريد أن تعبر بها عن شيء ، وكان من ضمن عناوين مقالاتها " الغذاء " ... " من المسئول " ... الأمة العربية المستقبلية ... ثم لا تورد تحت هذه العناوين ما يشير إلى ما تريد قوله ... ونورد هنا عينة تدل على مدى التشويه الفكري الذي أصيبت به ... ولاحظ مثلا جملتها " أظن الإثنين أربعة ... ولا أظن الأربعة إثنين " ثم طريقة كتابتها نفسها وهي الطالبة المتفوقة دائما (18).
3 – الفصام الكتاتوني أو الحركي ( التخشبي أو التصلبي ) : Catatonic Schizophrenia :
يكون مصحوبا باتخاذ المريض أوضاعا جسمية محددة ، ثابتة ، جامدة ، وبأشكال مختلفة ، منها مثلا ما يسمى الذهول التام ، وفيه يضع المريض مثلا يديه على الوسادة بشكل متشنج ، وكفاه منقبضتان ، ويبقى على هذه الحالة المستنفرة لمدة ساعات ويطلق على حالات كهذه العرض النفسي الوسائدي The Psychic Pillow Symptom .
وفي الوضع الذي يكون عليه المريض ، في حالة الذهول التخشبي ، يكف عادة عن الكلام ، ولا يجيب على الأسئلة التي توجه إليه  وربما يتمتم بشفاهه ألفاظا لا يفهم لها معنى .
وفي حالة الذهول التخشبي يمكن أن يتخذ المريض وضعا جسميا غريبا ، ويبقى على الشاكلة التي يعتادها ساعات بتمامها ، وتسمى مثل وضعيته التي يتخذها حالة الوضع الغريب The Bizarre Posture  الفصامي (17).
وفيما يلي حالة تدل على خصائص هذا النوع :
       سيد عمره (27 عاما ) ، يعمل قهوجي على الرصيف ، جاء في حالة هياج شديد في صحبة البوليس ، ولم يدل بأي شكوى ... وقد قالت زوجته : " مخه طار يابيه ، نازل فينا ضرب وتكسير ... وبيقول أنا أسمي محمد ، وأنني مسيحية ما تحليليش ... لما أقوله أنت فلان ... يقول أنني ما بتعرفيش حاجة ... " وقد كان هياجه نوع خاص ، وكأنه يشير إلى شيء ما ، أو يدفع عن نفسه شرا ، وكان يتصف " بالخلف " الشديد ، فيفعل عكس ما يلقى عليه من أوامر على طول الخط ، كما كان أحيانا يكرر نفس الحركة – ولو أنها حركة هوجاء ، من الصعب تمييز مغزاها أثناء هياجه ...
       وقد أدخل المستشفى وأعطي العلاج المكثف من الصدمات الكهربائية ، فتحسن هياجه نوعا ، ولكن اضطراب أفكاره وأهمها ضلالات تغير الشخص وتغير الكون ظلت كما هي (18)  
4 – الفصام الهذائي ( البارانوي ) :Paranoid Schizophrenia  :
تتضح فيه أعراض الهذاء المختلفة كالشعور بالاضطهاد أو العظمة (4 ) ، والمريض في هذه الحالة تجده يشكو من ظلم البيئة ومن فيها . فهو تطارده أفكار وهمية بأن الآخرين يكيدون له ، ويسميهم الحاسدين ، والحاقدين والكارهين . وعندما تسأله كيف عرف ذلك ، يجيبك أنه عرفهم وعرف تربصهم به من حركاتهم ، ومن إشاراتهم ، ومن تلميحاتهم ! لذلك ترى المريض يصم أذنيه بيديه ، اتقاء هلوسات تداهمه كل حين ، ويبقى ذاهلا ( 17 ) .
وفيما يلي حالة تدل على خصائص هذا النوع :
       جندي بوليس عمره 35 سنة . جاء عن طريق البوليس ، لا يشكو من شيء .. ، وقال مرافقه أنه يقول كلاما غريبا . ويستعلي على رؤسائه وينظر نظرات عظمة وتكبر ورفض المريض الكلام مدة طويلة ... ثم طلب مقابلة شخصية على انفراد ... ولما تم له ما أراد أخرج " نوتة " من جيبه ، مكونة من ثمانين صفحة ، بها دستور مرتب ... ونظام دولة متكامل ، وقد بدأها بأنه حاكم العالمين رسول الله ... وأنه قسم العالم إلى القطاع الجنوبي العربي ويحكمه جمال عبد الناصر ، ومركزه القاهرة ، والقطاع الشمالي العربي ويحكمه فاروق فؤاد ، ومركزه روما ... وكل القطاعين يأتمران بأمره مع المؤمنين وضد الكفار . ثم أصدر بعد ذلك قوانين ومذكرات تفسيرية متتالية وكان يوجهها " ... إلى المراقبة العامة الإسلامية بأنحاء العالم ... " ولم يختلف هذا النداء في كل قوانينه ... ووضع بعد ذلك قائمة بأسماء حكام العالم وأصدر أمره " .... إلى الجنود عامة " بأنه إذا شطبت على اسم من هذه الأسماء فإنه يشطب بأمري من الدنيا .... " .
       وهكذا نرى أنه بالتسليم بالفكرة الأولى تتسلسل الأفكار مرتبة ، ولكنها ليست منطقية ، وبتتبع الدستور نجد أنه مشوش ومضطرب رغم تناسقه الظاهري .... وباختبار تفكيره ذاته وجد أنه غامض ومفكك وأن كلامه غير مرتبط كما أن عواطفه لم تتفق مع هذه الأفكار أو حتى مع ما يحكي من أفكار عادية (18)  
5 – الفصام الإنفعالي :
       ويتميز بوجود مزيج من أعراض الفصام وأعراض الهوس أو الاكتئاب الصريحة والمستمرة إلى درجة ما ، بمعنى أنه لا يعني مجرد تذبذب العواطف بين فترات الهوس والاكتئاب ، وإنما وجود هذه الأعراض كجزء لا يتجزأ من زملة الأعراض .
وفيما يلي حالة تدل على خصائص هذا النوع :
       طالبة في السنة الأولى بإحدى كليات الجامعة ، عمرها 21 سنة ، تأخرت سنة واحدة في الثانوية العامة لسبب غير واضح ، جاءت تشكو من أنها " .... متضايقة ومش عايزة أروح الكلية ... لأن فيه حاجة حصلت في مخي ... زي ما يكون الأفكار اتلخبطت على بعضها ، زي ما يكون مخي ساح ... وأضل ... الواحدة يعني ... ماعدتش العيشة نافعة ..." وأجهشت في بكاء حاد ...
       وكان من بين شكوى أمها أنها قبل أسابيع أخذت تنطوي على نفسها ، وتشتري كتبا غريبة عن التصوف والجنس في نفس الوقت ، وأنها خافت أن تصبح مثل أبنة عمتها ، فأحضرتها مبكرا بعد أن لاحظت أنها تضحك في المرآة ضحكة غريبة ...
       وبالفحص تبين أن أعراض التفكير شديدة ، فكانت تخرج من موضوع إلى موضوع بعد صمت ذاهل أحيانا ... وكان شعورها بعدم الجدوى ، وأحيانا يهيء لها أفكار انتحارية حادة ..
       وهكذا نجد الخليط بين الأعراض الفصامية والاكتئابية بشكل ظاهر وأن الاكتئاب مستمر وليس متذبذا رغم وجود الأعراض الفصامية الصريحة (18)
6 – الفصام الحاد Acute Schizophrenia :
وتكون أعراضه حادة وفجائية الظهور ، وقد يشفى منه المريض تماما ، ربما في غضون بضعة أسابيع ، أو قد ينتكس تكرارا . وغالبا ما يتقدم المرض إلى شكل كلاسيكي (17).
وفيما يلي حالة تدل على خصائص هذا النوع :
       طالب في السنة الثانية الثانوية ، عمره (16سنة ) ، وقد كان طالبا ممتازا ، لم تقل تقديراته عن ( 90%) في السنوات السابقة ، وقد كان أخوه مصابا بانفصام منذ سنوات ، كما أدخل ابن عمه مستشفى الأمراض العقلية ، وخرج بعد ثلاثة شهور ، ولم يكمل تعليمه ، وقد بدأ المريض منذ شهرين في الانزواء ، وسؤال أخيه عن أعراض مرضه السابق وما تبقى منها ، ثم أحس بعد هذا السؤال بالتغير التدريجي واحتمال أن يصاب بمثل هذه الأعراض ... كما أحس بعدم القدرة على الاستيعاب والخلط في الأفكار " أنا كنت أحس إن أفكاري ملخبطة ... أي كلام " .
       وذات يوم – بعد هذا التدرج – حضر الامتحان ، فلم يكتب حرفا  وترك الورقة خالية بدون مبرر ظاهر ، ولم يستطع أن يفسر ذلك فيما بعد ، وخاصة أنه كان مستعدا مثل كل عام ... ثم دخل بعد ذلك في حالة من الذهول ... وحضر للمستشفى وهو لا يستطيع أن يرد على الأسئلة ، وحين جاء ذكر رقم ما ( 7 ) قال هو : واحد وواحد وواحد وواحد ... ولم يتوقف ، وحين كان يترك وحده حتى دون رقيب ، كان يهمهم بكلمات غير مفهومة ، وأثناء النقاش كان يرد على إجابات أخرى ، أو يستمر في الإجابة السابقة دون أن يدرك أن سؤالا جديدا قد طرح عليه ، وكان يبتسم وحده بلا سبب ، وإذا ترك في حجرة مظلمة فإنه يظل فيها صامتا ساعات وساعات ...
       وقد تبين في تاريخه أنه أصيب بعدة نوبات تجوال في العام السابق ، مما جعل الشك يدور حول احتمال كون هذه النوبة نوبة هستيرية ... إلا أن التفكير العياني الواضح والتفكك مع وجود شخصية شيزويدية سابقة ممتازة في التحصيل الدراسي ، ووجود تاريخ أسري إيجابي جدا للفصام ، جعلنا نرجح في النهاية أنها نوبة فصام حاد غير متميز ...
       وقد أعطي جرعة كبيرة من عقاقير الفينوثيازين ثم جلسة كهربائية واحدة ، مع وجود علاقة عاطفية وثيقة ، حيث استطاع المعالج أن يشعره بالتقبل والحماية والحزم منذ البداية ، كل ذلك جعل النوبة تزول خلال أيام ... إلا أنه لم يرجع أبدا إلى مستواه التحصيلي كما كان من قبل ، ولا إلى تفاعله العاطفي لما قبل هذه النوبة " (18).
7 – الفصام المزمن Chronic Schizophrenia :
حيث يمر المرض بعدة مراحل يتقدم فيها حتى يزمن إذا لم يعالج منذ البداية .
وفيما يلي حالة تدل على خصائص هذا النوع :
       سيد عمرة 25 سنة ، يعمل مخرجا في مسرح للعرائس ، جاء يشكو من أعراض متنوعة ، وكان ينتقل من شكوى إلى شكوى بسرعة وبساطة ، ثم يسكت دون سبب ظاهر ... وكان من شكواه بنص كلامه : " ياريت الناس تلبس نظارات عشان ما أشوف عينيهم . مش قادر أواجههم ... " ضحكتي صفراء ... تطفش الناس مني ... مش حاسس فيها ... " . أخطر حاجة ... إني ما باضحكش وما باعيطش ... " " منطوي على نفسي ما أحبش حد يقاطعني في الكلام " ثم يقول : " مش قادر أعرف شكلي .. يعني مش قادر أتعرف على نفسي " " الكلام بتاعي زي ما يكون فيه موجتين ، موجة بتكلم سيادتك ، وموجة في حته ثانية ... زي توأمين ... دفنت أخويا ومانزلتش دمعة من عيني " .
       " أول ما ابتدأ المرض من ست شهور ، كنت باعيط ... والدي دخل هبدني قلم ... ومن يومها ماعدتش باعيط ثاني ، وبعدين الصفارة اللي في وداني ... أما أكون قاعد لوحدي عايز أشوف والدتي أقدر أشوفها وأعيش معاها دقيقة ... دقيقتين زي ما أنا عايز ، وبعدين الضحكة الصفراء اللي بحاول أجامل بيها الناس ، والمزاح اللي في ذهني .. ومش قادر أطلعه ... أجيب نهاية الكلام قبل بدايته ... أبص لصورتي ثلثميت مرة في المراية عشان أحفظها ... مش عارف أحفظ شكلي إيه ... " .
       وهكذا يغلب على هذه الحالة أعراض الانشقاق وعدم الترابط ... كما يظهر فيها الضحك الفاتر ، وكذا ظاهرة فقدان أبعاد النفس ، ومع ذلك فهي حالة مبكرة نوعا ... وللمريض في أعراضه بصيرة ، فهو يصفها بدقة وصدق حتى كأنه بشرح الأعراض النموذجية وتصنيف انقسام شخصيته وتنافر وظائفها بكل وضوح (18).  
8 – الفصام المتخلف Risidual Schizophrenia :
حيث يشفى المريض بالفصام ، ولكن يتخلف لديه بواقي أفكار أو انفعالات أو سلوك فصامي وبقايا هلوسات وهذاءات بسيطة لا تؤثر في توافقه الاجتماعي .
وفيما يلي حالة تدل على خصائص هذا النوع :
       مهندس ، متزوج ، وله ولد وبنت ، أصابته نوبة فصامية في سن السابعة والعشرين من عمره ، واستمرت ستة شهور ، دخل أثناءها مستشفى للأمراض النفسية ، وعولج ، واختفت الهلاوس والضلالات المفككة ، واستطاع أن يستجيب لنظام المستشفى إلى حد ما ... ولكنه حين خرج لم يستطع أن يعاود حياته الزوجية كما كانت ، واشتكى من بعض صعوبات في حياته الجنسية ، وبعد أربعة شهور طلق زوجته وتنازل عن حضانة طفلية مدى الحياة ، ثم سعى إلى تغيير عمله ، من عمل تنفيذي إلى عمل مكتبي روتيني ، وقطع صلاته بأصدقائه ، وباع كتب مكتبه ، إلا أنه ظل يذهب بانتظام إلى عمله ، وقال عنه أصدقاؤه إنه لم يعد يتجاوب لأي ممن حوله ، ولا يهمه فرح أو حزن ، ولا يشغله إلا ملء ثلاجته بمأكولات تكفيه أسبوعا على الأقل ...
       وقد قرر أنه " شفي " ... وإن كانوا لاحظوا أنه قد انتظم على الشراب يوميا بكميات محدودة ، يقول إنها تساعده على النوم ، وكان يتحفظ في معاملاته مع زملائه ، ويغلق مكتبه بمفتاح وقفل خارجي معا ، دون أن يذكر سبب ذلك .
       وهكذا نرى كيف همدت الأعراض الإيجابية ، ولم يتبق سوى صفات وسمات تبدو وكأنها جزء من شخصيته الجديدة .. إلا أن الواضح هنا أنها كانت مختلفة تماما عن شخصيته قبل المرض (18)
وهناك تصنيفات أخرى أهمها :
       بالرغم من هذا العدد الذي ذكرناه من أنواع وتصنيفات للفصام ، فإنه لا يمكن أن يغطي كل تصنيفات هذا المرض الخطير والصعب معا ... فما زال هناك أنواع أخرى تخرج عن نطاق هذا العمل مثل :
1 – الفصام الحالم Oneroid Schizophrenia :
       حيث يكون المريض في حالة أشبه بالحلم معظم الوقت ، وتبدو له الهلاوس وكأنه في تمثيلية درامية .
2 – فصام الطفولة Childhood Schizophrenia :
حيث تظهر أعراض الفصام قبل البلوغ .ويبدو اضطراب وفشل نمو الشخصية ، والنكوص الطفولي الشديد (18).
3 – الفصام الكامن Latent Schizophrenia :
حيث يميل السلوك نحو الفصام ، ولكنه يكون مازال خارج نظاق الشخصية الفصامية . ويكون المريض على حدود الذهان ، ويكون لديه بعض أعراض الفصام ، ولكن الحالة لا تكون متقدمة وليست كمثل الفصام الحاد أو المزمن ، ويحقق الفرد نوعا من التوافق الحدي ، ولكن سلوكه على العموم يكون شاذا وغامضا وغريبا .
4 – الفصام الدوري أو الدائري Circular Schizophrenia :
وهو نوع من أنواع الفصام المتعددة في أشكالها ونواحي ظهورها  ويسمى هكذا لأنه يتخذ شكل مناوبة متبادلة يبدو مرة على شكل زملات هوسية ، ويظهر مرات على صورة حالات اكتئابية . وفي كل فترة من الفترات التي يمر بها المريض تعقبها حالة تحسن ظاهري .


5 – الفصام التفاعلي Reactive Schizophrenia :
وفيه يرتبط المرض بعوامل نفسية حديثة أو ضغوط اجتماعية واضحة ، ويكون الشخص متوافقا اجتماعيا قبل المرض (17).
أسباب الفصام :
       لا نستطيع أن نجزم بسبب واحد لهذا المرض ، بل هو عدة تفاعلات بيئية ووراثية وفسيولوجية وكيميائية . وسوف نستعرض فيما يلي أهم أسباب الفصام :
1 – الوراثة :
تلعب الوراثة دورا هاما في نشأة هذا المرض ، أي أن الإنسان يولد وعنده الاستعداد الذاتي لتكوين هذا الاضطراب ، وذلك معناه أن ينتقل على المورثات اضطرابات كيميائية فسيولوجية تجعله عرضه لأن يقع فريسة لهذا المرض .. (3)
لوحظ أن حوالي ( 50%إلى 60% ) من عائلات الفصاميين عندهم تاريخ إيجابي للمرض العقلي .
ولوحظ أن التوائم المتماثلة تصاب بنسبة (60%إلى 80%) بالفصام إذا أصيب أحدهما به ... حتى لو نشأوا بعيدا عن بعضهم .
ولوحظ أن أشقاء الفصاميين يصابون بالفصام بنسبة حوالي (14%)، وأن الأخوة غير الأشقاء بنسبة (7%)، وأن أطفال الفصاميين يصابون بنسبة حوالي (16%)، فإذا قارنا هذه النسبة بنسبة تواتر الفصام في عامة الناس وهي ( 1%) تقريبا ، تبينا كيف أن هذا المرض له أسباب وراثية واضحة .
واختلف العلماء في نوعية الوراثة وقدموا فرضا بأن الفصامي لا يرث المرض ، وإنما يرث الاستعداد له ، وتحدث المرض إذا صادف هذا الاستعداد مرسبات تربوية أو بيئية أو نفسية (18) .
2 – العوامل الجسمية : يربط البعض بين الفصام وبين النمط الجسمي النحيل .
3 – العوامل الفسيولوجية :
مثل التغيرات المصاحبة للبلوغ الجنسي ، والنضج والحمل والولادة ، وسن القعود ، وما يصاحب ذلك من هزات انفعالية واجتماعية ، وتوتر وقلق واخفاق المريض ذي الشخصية الفصامية في مجابهتها . واضطراب الغدد الصماء (18).
ووجد أن مرضى الفصام الكتاتوني الدوري يحتفظون بمادة النيتروجين في الجسم .. وأنهم يتحسنون عند طردهم لهذه المادة ... وقد استخدم هرمون الغدة الدرقية للتخلص من النيتروجين .. وكذلك لوحظ أن 30 % من مرضى الفصام يعانون من اضطراب نوعي في نشاط الغدة الدرقية ... وأن هرمون الكورتيزون يفرزه مرضى فصام البارانويا أكثر من مرضى أنواع الفصام الأخرى ... وأن نكسات المرضى يصاحبها زيادة في إفراز هرمون الكورتيزون ، وأن شفاء المرضى يصاحبه نقصان في إفراز هذا الهرمون (3) .
4 – العوامل الكيميائية الحيوية :
كالأعراض السلوكية الناتجة عن تناول عقار الهلوسة ( L.S.D )  تشبه إلى حد كبير أعراض الفصام .
5 – خلل الجهاز العصبي نتيجة للأمراض والتغيرات العصبية المرضية والجروح في الحوادث أو خلل في موجات المخ الكهربائية وضعف وإرهاق الأعصاب .
6 – فقدان الحواس مما قد يؤدي بدوره إلى اضطراب التفكير والأوهام والهلوسات .
7 – الأسباب النفسية :
       ويرى بعض الباحثين أن الفصام ليس سوى تجمع عادات سيئة نتيجة التفاعل الخاطئ مع البيئة ، فتصبح هذه العادة من صفات الإنسان الثابتة .
فإذا زاد الضغط الخارجي اشتدت عادات الهروب وظهر المرض ، ومن أمثلة هذه العادات الخاطئة : العجز عن تقبل الواقع ، والانطواء ، والاستغراق في أحلام اليقظة ... إلخ . (18)وقد أرجع الفصام إلى :
- إلى الصراعات الحادة بين الدوافع المتعارضة وعدم التوافق السليم معها . والصراع النفسي من الطفولة الذي ينشط مرة أخرى في مرحلة المراهقة نتيجة لأسباب مرسبة .
- وإلى احباطات البيئة وطوارئ الحياة وعوامل الفشل التي تنهار أمامها الدفاعات النفسية للفرد مثل الفشل في العلاقات الغرامية والفشل في النمو النفسي الجنسي السوي والفشل في الزواج والخبرات الجنسية الصادمة ، وما يصاحب ذلك من مشاعر الإحباط والشعور بالإثم ، وكذلك الرسوب المفاجئ في الامتحانات والفشل في العمل والضغوط الاقتصادية والمشكلات المالية .
– وإلى الصدمات النفسية العنيفة والحرمان في الطفولة المبكرة مما يجعل الفرد حساسا لا يتحمل الضغط المتأخر عندما يكبر .
– وإلى حيل الدفاع المتطرفة مثل الانسحاب ، والنكوص ، والاسقاط ، والتعويض ، وهكذا نرى أن الفصام يمثل استراتيجية دفاعية كاملة ولكنها فاشلة .
– وإلى تأخر النمو وعدم نضج الشخصية ، وعدم التوازن في نمو جوانب الشخصية المختلفة ، فيضطرب النضج الاجتماعي والنضج الإنفعالي ويسوء توافق الشخصية ككل .
– وإلى العلاقات العائلية المضطربة : مثل اضطراب العلاقات الشخصية المبكرة بين الوالدين والطفل وخاصة مع الأم أو من يمثلها ، أو " الأم المسببة للفصام " وكذلك الحال مع الأب القاسي أو السلبي . ويطلق على مثل هذه الأسرة عموما اسم " الأسرة المسببة للفصام " ، واضطراب المناخ الأسري والمحيط الطفلي المضطرب بمعنى وجود تنافر في شخصيات الوالدين والأولاد ، والمشكلات العائلية والانهيار الأسري وسوء التوافق في الزواج ، والبرود الانفعالي ، والطلاق العاطفي بين الأزواج مما ينعكس على الأولاد ، ويجعلهم على حافة " الهروب من الأسرة " .
- وإلى التغيرات الثقافية والحضارية الشديدة، مثل التي تصاحب الهزات الاقتصادية ، والكوارث الاجتماعية ، والتصنيع ، والهجرة دون الاستعداد النفسي لذلك مع وجود عوامل مرسبة للمرض ، والوحدة والعزلة الاجتماعية .
8 – يرجع أعلام مدرسة التحليل النفسي مرض الفصام إلى الصراع المستمر بين الأنا الأعلى والهو مما يضعف سيطرة الأنا الأعلى على الشخصية ، ويضعف الأنا ، ويخلف صراعا مستمرا بينه وبين العالم الخارجي ، ويؤدي إلى الانقسام عن الواقع ، مما يجعل المريض يمتص الطاقة اللبيدية للداخل بدلا من توجيهها للخارج ، وينكص للمراحل الجنسية الأولى في حياة الفرد ، وينكص لأنماط التفكير الطفلي ، وينسحب إلى داخل نفسه إلى المستوى النرجسي ، ويتمركز حول ذاته ،ويتجنب العلاقات الشخصية الاجتماعية ويصبح انطوائيا ويفشل في التوافق مع البيئة الاجتماعية .
9 – ويرى السلوكيون أن زيادة الدافعية تؤدي إلى قوة الاستجابة وعدم مناسبتها وخطئها . (7 )
أعراض الفصام :
لحالات الفصام مجموعة من الأعراض البارز منها :
1 – البعد عن الواقع والاستغراق في الذات ( يعيش سجينا داخل نفسه كما لو كان في جزيرة منعزلة تملؤها أوهامه وخيالاته ، وهي بالنسبة له حقيقة ) فلا يرى ولا يسمع إلا هلوساته ، وتتحول أوهامه وهلوساته إلى سلوك .
2 - البلادة الانفعالية ، وعدم الثبات الانفعالي ،و التناقض الانفعالي ، والانفعالات الكاذبة وغير المناسية ، والهياج لأقل مثير ، والمبالغة في الإنفعال والاكتئاب والانسحاب والسلبية والنكوص المرضي ، وفقدان الاحساس بالعواطف الراقية كالحب والعطف والحنان والمشاركة الوجدانية ، فالمفصوم لا يكترث للحوادث التي تهز مشاعر الإنسان السوي ، ولا يهتم بأصدقائه أو أسرته أو عمله كما أنه لا يبدي أي انفعال حين تدعو الظروف إلى ذلك.
3 - وهو – أيضا – يفقد الاهتمام بالمظهر الخارجي ، فيهمل نفسه فيبدو قذرا  .
4 - ويظهر على المفصوم عرض التفكك بدرجة فائقة تستوقف الانتباه ، فيضحك حين لا يوجد باعث على الضحك .
5 - وتقع الهذيانات لمعظم الحالات (12 ) ، مثل الاضطهاد وهذاء العظمة توهم المرض وهذاء المرجع وهذاء الإشارة أو التأويل والتلميح وهذاء الأهمية ، وهذاء تغير الشخص ، وفقدان الشعور بالشخصية وشعور المريض بأن إحساساته وأفكاره غريبة عنه .
6 – وتقع الهلوسات – أيضا – لمعظم الحالات كالهلوسات السمعية ، والهلوسات الشمية ، والهلوسات اللمسية ، والهلوسات الذوقية ، والهلوسات الجنسية . وهذه بالنسبة له حقيقة ويستجيب لها سلوكيا .
7 – اضطراب التفكير : اضطراب محتوى التفكير ، واضطراب مجرى التفكير واضطراب ترابط التفكير ، واضطراب التحكم في التفكير ، واضطراب التعبير عن التفكير سلوكيا ، واضطراب الذاكرة ، وخاصة بالنسبة للأحداث الحديثة ، واضطراب الانتباه وضيقه ، والتركيز على الذات واضطراب الوعي وشعور المريض بأنه يفقد عقله .
8 – اضطراب الكلام : وعدم منطقيته ، وعدم تماسكه ، والاجابات النمطية غير المتعلقة بالموضوع ، والاجابات الوحيدة المقطع في صوت نمطي رتيب بعد تكرار السؤال ، والمصاداة (أي تكرار أقوال الآخرين ) ، وابتداع كلمات أو مبادئ جديدة " لغة جديدة " .
9 – اضطراب الإرادة : وضعفها والتردد والتناقض وعدم القدرة على اتخاذ القرارات والسلبية في السلوك وقابلية الإيحاء وعدم القدرة على ضبط النفس والاعتقاد بأنه واقع تحت تأثير السحر وأنه مسلوب الإرادة .
10 – اضطراب السلوك الجنسي وعدم التحكم فيه مثل الاستعراض الجنسي أو جماع المحارم أو البغاء .
11 – الذاتية المطلقة والانطواء والاستغراق في أحلام اليقظة ، ونقص الميول والاهتمامات والاستسلام ومشكلات الحياة ، واضطراب العلاقات الشخصية واضطراب الاتصال الاجتماعي وسوء التوافق الاجتماعي والعائلي وفقدان الاهتمام بالبيئة .
12 – ضعف الجسمي ونقص الوزن .
13 – اللزمات الحركية وخاصة حركات الوجه واليدين والرجلين ، والأوضاع الجسمية الغريبة الشاذة التي قد تستمر لفترات طويلة ، والمحاركة ( تقليد حركات الآخرين ) . والتأخر الحركي ، والنمطية ، والجمود أحيانا .
وإلى جانب الأعراض السابقة هناك الأعراض العامة ، هي : الانسحاب من الواقع ، والأوهام والهلاوس والهذاءات الاضطهادية وغيرها . كما توجد لدى المريض اضطرابات في الإدراك ترتبط بالنرجسية والجنسية المثلية والشبقية الذاتية ، ومركب أوديب ، ونقص في الخلق وتوحد مع الكون .
       ويبدل المريض عالمنا بعالم وهمي له في قدرات خارقة ن يعلم كل شيء فيه ويتواجد في كل أمكنته وأزمنته ، عالم كله من العظمة وسلطان للفكر مطلق .
       ومعظم مرضى ( الفصام ) يأتون من الأناس الذين يوصفون – عادة – بالانطواء والحالمين ، ومن هؤلاء الذين يفكرون أكثر  مما يعملون ، ومن هؤلاء اللااجتماعيين منذ البداية .
       ولكن يعتقد الكثير من الدراسين للأمراض النفسية والعقلية أن الهذاءات والهلاوس أعراض مميزة لمرض الفصام ، وهذا غير صحيح نظرا لأن هذه الأعراض تظهر في جميع أنواع الذهان الوظيفي والعضوي ، ومن ثم فإن الأعراض الأولية لمرض الفصام هي اضطرابات التفكير والوجدان والإرادة ، وكل ما هو غير ذلك فهو ثانوي
       وإلى جانب الأعراض العامة للفصام ، نلاحظ الأعراض الخاصة في الأنماط الاكلينيكية للفصام ، وفيما يلي تفصيل ذلك :
1 – الفصام البسيط : Simple Schizophrenia
وأهم خصائصه أن بدايته تدريجية غير حادة ، وسيره بطئ ، والانفصال عن الواقع تدريجي ، والهلوسات والأوهام نادرة ، وقد لا توجد بالمرة ، والسلوك الغريب قليل نسبيا .
وأهم أعراضه : نقص النشاط ، والنمطية الحركية ، واللازمات الحركية . وعدم القدرة على التركيز ، والسلاطة الفكرية ، وهذاء التأثير والتأثر ، واضطراب التوجيه . ونقص الاتصال الاجتماعي ، وانعدام المسئولية ، وقلة الميول والاهتمامات ، ونقص مستوى الطموح ، والانطواء والانسحاب ، وسوء التوافق الاجتماعي ،و التبلد الانفعالي ، والخمول الانفعالي ، واللامبالاة وفقد الدافعية ، وفقدان التعلق الانفعالي بالآخرين ، والاستغراق في أحلام اليقظة ، وفقدان الاهتمام بالمظهر الشخصي ، وسوء التوافق الجنسي أو العمل في الدعارة ، وعدم القدرة على القيام ببعض الأعمال البسيطة الرتيبة وتحت رقابة مستمرة ، والبطالة أو عدم الاستقرار في العمل ، والشرود ، والتناقض السلوكي ، ويبدو المريض في حالة حلم دائم .
2 – الفصام المبكر : Hebephrenia Schizophrenia
وأهم خصائصه أن بدايته مبكرة ومفاجئة عادة في المراهقة       ( ولذلك يسمى أحيانا فصام المراهقة أو فصام الشباب ) ، وتؤدي إلى تدهور الشخصية وعدم تكاملها . والأعراض فيه غير مستقرة وكثيرة التغير .
وأهم أعراضه : عدم العناية بالنظافة الجسمية والصحية ، والنكوص المرضي وخاصة في عادات الأكل والإخراج ، واختلاط وعدم ترابط الفكر والكلام والسلوك ، والتفكير الإجتراري والتفكير الخيالي الغريب ، وضعف التركيز ، والهذاءات المتغيرة . والانطواء والاستغراق في أحلام اليقظة والخروج الغريب على المعايير الاجتماعية ، والتبلد الانفعالي ، وعدم الثبات الانفعالي ، والتناقض الوجداني ، وعدم النضج الانفعالي والفجاجة الانفعالية . وتكون الأوهام ذات طبيعة جسمية وضعف البصيرة ، والسلوك طفلي أحمق اندفاعي غريب .


3 – الفصام الحركي : Catatonic Schizophrenia
       وأهم خصائصه أنه يبدأ في سن متأخرة عن الفصام البسيط والمبكر بين ( سن 20 – 45 سنة ) وتوجد فيه أعراض حركية واضحة إما بالنقص أو بالزيادة .
والفصام الحركي شكلان :
* التصلب :
وأهم أعراضه الوضع التصلبي التخشبي والتصلب الشخصي أو الوضع التمثالي أو وضع الصليب أو وضع الجنين ( كما في الشكل ) أو وضع الميت . وهذه الأوضاع تدوم طويلا وبدون تعب ، وعدم الحركة ، والخلفة , وفقدان النشاط ، والاسلوبية ، والمحاركة والوجه المقنع        ( الذهول وكأن على وجهه قناعا ) ، والذهول وتكرار الكلام وترديده ، والنمطية ، والانسحاب والسلبية والصمت والطاعة الآلية العمياء والسلوك الحركي القهري ، مما تعوده المريض في مهنته مثلا ، ورفض الطعام ، وعدم القدرة على ضبط النفس جنسيا أو من ناحية التبول أو التبرز .
* الهياج :
وأهم أعراضه الهياج الحركي غير الهادف وعدم الاستقرار والأرق والإعياء وفقد الوزن ، وعدم التوافق بين المزاج والتفكير ، وسرعة الكلام ، وردود الأفعال الغريبة والهلوسات ، والاتجاهات الشاذة الغريبة ، والعدوان ،و التصنع أو التكلف في الكلام ، والمشي والحركات ، ومحاولة الانتحار أو قتل الغير ن والإنهاك في النشاط الجنسي المكشوف .
4 – الفصام الهذائي ( البارانوي ) :Paranoid Schizophrenia
وأهم خصائصه أنه يبدأ عادة متأخرا بعد سن ( 30 سنة ) ، ويتصف بالتفكير والسلوك الذاتي المقفل ، والأوهام وأفكار المرجع والتأثير ، وتكون الهذيانات غير منسقة وسريعة التغير ، ويكون السلوك بصفة عامة ليس من السهل التنبؤ به .
والفصام الهذائي شكلان :
* الاضطهاد :
وأهم أعراضه أفكار الاضطهاد ، والشك ، والميول الإتهامية والعزلة الشديدة ، واعتقاد المريض أن الآخرين يتآمرون عليه ، ويكيدون له . وعدم الرضا ، والحقد ، ومحاولة الانتحار ، والسلوك المضاد للمجتمع ، والاعتقاد أن هناك من ينومه معنطيسيا ويؤثر عليه .
* العظمة : وأهم أعراضه أفكار العظمة ، واعتقاد المريض بأنه موهوب بقدرات عقلية عالية فريدة أو أنه يشغل منصبا كبيرا ،و التطرف وأوهام القوة والقدرة على كل شيء ، والتناقض السلوكي .
تشخيص الفصام :
       بالرغم من أن التشخيص التقليدي يفرق بين أنماط اكلينيكية اربعة للفصام ، فإن الفصام لا يكون مطابقا للوصف التقليدي لأحد هذه الأنماط ، بل يتغير من نوع لآخر أو قد يختلط . هذا ولا يوجد عرض واحد يمكن أن يؤكد الفصام أو ينفيه .
1 – يجب تفريق الفصام عن الذهان العضوي وأمراض المخ العضوية ، حيث نجد أنه في الفصام يبقى الذكاء والذاكرة دون تدهور ، وفي الذهان العضوي نلاحظ أعراضا جسمية واضحة .
2 – ويجب التفريق بين الفصام والهستيريا ، حيث نجد في الهستيريا أن البدء فجائي والسبب واضح .
3 – ويجب التفريق بين الفصام والوسواس ، حيث يقاوم المريض وساوسه شعوريا .
4 – ويجب التفريق بين الفصام وذهان الهوس والاكتئاب حيث يتغير الانفعال ويشتد بسرعة .
5 – ويجب التفريق بين الفصام واضطرابات الشخصية مثل السيكوباتية ، حيث نجد في الأخيرة الاندفاع والانحراف ممتد الجذور إلى الطفولة .
6 – ويجب التفريق بين الفصام ( خاصة الفصام المبكر ) أو ما يسمى فصام المراهقة وبين اضطرابات مرحلة المراهقة وصراعاتها ومشكلاتها وما يشاهد فيها من الثورة والتمرد والعناد والتذبذب الانفعالي وغرابة السلوك والشذوذ .
7 – ويجب التفريق بين الفصام الهذائي ، وبين الهذاء ( البارانويا ) . ففي الفصام الهذائي تكون الهذاءات وقتية قصيرة المدى ومختلطة بأعراض الفصام الأخرى ، بينما في الهذاء نجد الهذاءات المنظمة فقط ولا نجد الأعراض الأخرى للفصام . (7 )
8 – ويجب التفريق بين الفصام والصرع ، فقد وجد العلماء أنه يوجد علاقة وارتباط وثيق بين هذين المرضين ، ولوحظ أن الكثير من مرضى الصرع خصوصا الصرع النفسي الحركي ، يعانون بعد فترة من أعراض شبيهة بمرض الفصام ، وبالتالي اتجهت الآراء عن احتمال تشابه أسباب مرض الصرع ومرض الفصام ... ونحن نعلم أن السبب الرئيسي للصرع هو موجات كهربائية دورية شاذة في الدماغ ، وأنه من الممكن أن يكون سبب الفصام أسبابا فسيولوجية كيميائية مشابهة لما يحدث في الصرع (3 ) .
علاج الفصام :
ليس من الضروري وضع جميع المفصومين في مستشفيات الأمراض العقلية . ويمكن علاج معظم الحالات المبكرة كمرضى خارجين .
ولا يودع في المستشفى إلا حالات الفصام الحاد أو المزمن أو في حالة ما إذا كان المريض يمثل خطرا على نفسه أو على الآخرين ، وفي حالة عدم استبصار المريض بحالته ورفضه العلاج .
وعلاج الفصام عملية طويلة ، وتحتاج إلى كثير من الحنكة ، والصبر ، والاهتمام بالعلاقة العلاجية ، والرعاية التمريضية اليقظة المستمرة . وفيما يلي أهم ملامح عملية علاج الفصام :
1 – العلاج الطبي الكيميائي :
ويشمل علاج الرجفة الكهربائية ، وخاصة في حالات الفصام الهذائي والفصام الحركي .ويشمل كذلك علاج غيبوبة الأنسولين - وقد قل استخدامه الآن لما يستلزمه من وقت وجهد وما يصاحبه من مخاطر ، جعلت العلاجات الأخرى الاحدث تغني عنه – مثل العلاج بالمهدئات للتغلب على الهلوسات والتحكم في التهيج ، وعلى رأسها مجموعة فينوثيازين ، وستيلازين وكلوربرومازين ، وتختلف في عمقها وفاعليتها من عقار لآخر ، وقد لوحظ أن هذه العقاقير لها مفعول ناجح كلما كان الفصام نشطا والأعراض إيجابية ، ولذلك فهي أنجح ما تكون في الحالات الحادة ، والحالات المتاخمة بالأعراض الإيجابية التي تدل على أن يدناميكية المرض لم تستقر بعد ، أما الحالات المزمنة التي وصلت إلى درجة من الاستقرار ، وأصبح السلوك الفصامي عادة أو جزء لا يتجزأ من الشخصية ، فإن مفعولها يكون أقل ما لم يستثار النشاط الفصامي بخطة محكمة لجر المريض للإحتكاك بالواقع ، وتنظيم تأهيله بجرعات متزايدة من العمل والتفاعل مع الآخرين ، وهنا قد يبدأ في المقاومة أو تبدأ الأعراض في النشاط ، حيث تصلح هذه العقاقير ثانية وبشكل فعال تماما . (18)
2 – علاج الصدمات الكهربائية :
       ويستعمل هذا العلاج عادة مع العلاج الأول ، ويستحسن أن يتأخر عنه قليلا ، حتى في الحالات الحادة ، ونتائجه تكون أصلح ما تكون في هذه الحالات الحادة والمصحوبة باضطراب في العاطفة وخاصة الاكتئاب ، وحالات الفصام الكتاتوني الانسحابي ، والفصام البارانوي المصحوب بفيض عاطفي حار مع الضلالات ، وكذلك أثناء خطة العلاج الطويلة بالعقاقير والتأهيل معا ، وذلك مع ظهور الاكتئاب ، وأثناء استعادة العلاقة بالواقع (7).


3 – العلاج بالعمل :
       وهو صنفان في حالات الفصام ، فإما أن يكون الهدف منه استعادة المريض فاعليته ، وعدم تركه لخيالاته وسلبياته ، واستعادة ثقته بأنه قادر على شيء ذي فائدة ... وأن يرى نتاج عمله فيتحسن للرجوع للواقع ...
       وإما أن يكون جزءا لا يتجزأ من علاج الوسط والعلاج السلوكي ، يتعرف فيه المريض على جسده ، ويكسر خموله وعاداته السلبية واختفائه في قالب ثابت من الوجود (18).
4 – العلاج النفسي :
       ولابد أن نبدأ هنا بالقول أن الرعب من العلاج النفسي ( وخاصة التحليلي ) للفصاميين ، قد قل كثيرا ، نتيجة لوفرة استعمال العلاج الكيميائي ، حيث نشجع المعالج أن يتفاعل مع المريض ، وهو ضامن أن بيده أسلحة يتدخل بها وقتما يشاء ، ليتمكن من السيطرة على الموقف باستمرار (18).
والعلاج النفسي يهدف إلى تنمية الجزء السليم من الشخصية وإعادة تنظيم الشخصية والتعلم والاهتمام بإزالة أسباب المرض وشرحها وتفسيرها وإشباع حاجات المريض وتنمية بصيرته وتخفيف القلق وإعادة ثقته بنفسه ، مع التركيز دائما على أهمية العودة إلى العالم الواقعي (7).
ومن أنواع العلاج النفسي التي ساعدت كثيرا من المرضى الفصاميين العلاج النفسي المكثف Intensive Psychotherapy  ، وقد ثبت فاعليته ، واتيحت له الفرصة كاملة ، إلا أنه يحتاج لوقت وجهد بلا حدود ، وفيه يقوم المعالج باختراق حاجز العزلة عند المريض ، ومحاولة فهم لغته الخاصة ، والقيام بدور المترجم له ، أو الجسر الذي يعبر عليه إلى دنيا الواقع ، وهذا النوع ليس بديلا عن العلاجات العضوية الأخرى ، ولكنه متمم لها (18)
وهناك العلاج النفسي الجماعي أو الجمعي وخاصة نوع الجشطالت والتحليل التفاعلاتي دون الإغراق في التفسير والتأويل وهو يساعد على إعادة احتمال التواصل مع الآخرين والتقمص ، واكتساب مهارات اجتماعية جديدة ، وتجميع أجزاء الشخصية في جو علاجي خاص ومدروس وموجه ، وهذا النوع من العلاج يكون أنجح وأجدى في حالات الفصام المبتدئ ، حيث يعتبر العلاج المفضل الذي لا يكتفي بإزالة الأعراض ، بل إنه يحول هذه الأزمة المرضية إلى فرصة إيجابية لاستكمال نمو الشخصية (18) مع الاهتمام بأفراد الأسرة والأقارب لمساعدة المريض ، والتوجيه والإرشاد النفسي للمريض وتوجيه وإرشاد الأسرة . والتحليل النفسي في حالات قليلة جدا مع التركيز على محاولة إصلاح ضعف الأنا . والتأهيل النفسي والاجتماعي والاحتفاظ بالعلاقات الاجتماعية والأسرية ومساعدة الأهل في رعاية المريض واهتمامهم به بهدف تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي (7).


5 – العلاج الاجتماعي :
بهدف تجنب الانسحاب والعزلة مع الاهتمام بإعادة التطبيع الاجتماعي وإعادة التعلم الاجتماعي والاهتمام بالنشاط الاجتماعي والرياضة والترفيه والموسيقى لربط المريض بالواقع والتقليل من استبطانه وانشغاله بذاته وعرضه والكشف عن اضطرابات المريض وصراعاته . والعلاج البيئي الذي يهدف إلى تعديل البيئة وإصلاح الجو العائلي حتى يساعد ذلك في تدعيم التحسن التدريجي في حالة المريض . والعلاج بالعمل والتوجيه والتأهيل المهني لشغل المريض وإخراجه من دائرة الاستغراق في الذات ، مع تنويع العمل ، والعلاج باللعب في حالة فصام الطفولة (7).
6 – علاج الوسط :
       ويقصد به تهيئة مجتمع علاجي صغير ( مستشفى مثلا ) له فلسفة في الحياة ، وأهداف مشتركة ، وموقف محدد ، يشترك فيه المرضى ، وجميع الأفراد المعالجين ، ويستعمل فيه سائر أنواع العلاج السابقة ، بحيث يتيح للمريض فرصة المشاركة في جو خاص يتيح له إجازة مدروسة من عالم الواقع الذي لم يتحمله ، ولكنه في نفس الوقت يحافظ فيه على درجة خاصة من العلاقات والنشاط ، يستعيد من خلالها قدرته على العودة إلى الواقع تدريجيا بطريقة أكثر قدرة ، وأوفر نشاطا (18)
7 – العلاج الجراحي النفسي :
وهو العلاج الذي يهدف إلى قطع بعض الدوائر العصبية التي تساهم في توصيل وإثارة الانفعالات المرضية (18) ولا يستعمل إلا في الحالات المزمنة ، وعندما تفشل كل الوسائل العلاجية الأخرى وبعد مضي ثلاث سنوات على الأقل (7).
مآل الفصام :
1 – تحسن مآل الفصام كثيرا منذ أن اكتشف علاج الرجفات الكهربائية وعلاج غيبوبة الأنسولين . وحديثا مع استخدام الأدوية والعلاج النفسي أصبح المآل أحسن . وقد يحدث شفاء تلقائي في حوالي ( 5 % ) . وقد يحدث تحسن تلقائي في حوالي ( 25 % ) من مرضى الفصام .
2 – وأهم ملامح الشفاء هو الشفاء الاجتماعي . وتدل الإحصاءات على أن حوالي ثلث مرضى الفصام يتوافقون اجتماعيا تماما ، وحوالي الثلث يتوافقون اجتماعيا إلى حد ما ، والثلث الباقي يتدهورون أو ينتحرون أو يحتاجون إلى الإيداع في المستشفى مدى الحياة ، حين يزمن المرض ويكون التدهور العقلي المعرفي والخلقي أمرا لا مناص منه . هذا ويختلف فرص الشفاء من الفصام باختلاف درجة أزمانه .
3 – ومرض الفصام من الأمراض التي تشاهد فيها النكسات أحيانا .
4 – وعلى العموم نجد أن نسبة الشفاء التام حوالي ( 25 % ) ونسبة الأزمان حوالي ( 25 % ) في مرضى الفصام . ويمكن لمرضى الفصام الذين يتلقون العلاج السليم الخروج من المستشفى في حدود ( 6 : 12 شهرا ) .
5 – ويلاحظ أن الفصام الحركي هو أحسن الأنماط الاكلينيكية للفصام من حيث المآل ، يليه الفصام الهذائي ، ثم الفصام البسيط . أما الفصام المبكر فهو أقل الأنواع بالنسبة لسرعة الشفاء واحتماله (37 )  
xx
[تصفح أقسام المكتبة المجانية][grids]