عصاب القلق

 
 Anxiety Neurosis
       إن القلق هو روح الحياة Spirit of life بالنسبة للإنسان ... فإن لم يكن هنالك قلق ، فليس هناك حياة للإنسان ، وذلك لأن القلق يعد بمثابة الطاقة المحركة للإنسان ... فكلنا نعيش القلق ، ولكن بدرجات متفاوتة وبظروف مختلفة ...
بالإضافة إلى أن القلق استجابة وجدانية Emotional response لموقف معين هو حارس للحياة النفسية للإنسان Spirictive .
فإذا زاد القلق عن حده الطبيعي ، ووصل إلى الشكل المرضي ، فهو يصبح هنا تكثيفا للمشاعر الإنسانية ، وموقفا متطرفا لإحساس طبيعي ...
وعادة ما يسبق القلق ظهور الأنواع المختلفة من الأمراض النفسية ، أو يصاحبها ، إلا أنه في بعض الأحيان قد يكون هو العرض المرضي الوحيد المستمر دون أن يتطور إلى مرض نفسي معين ، ويطلق عليه عندئذ القلق العصابي . فإذا بالمريض يظل قلقا خائفا من كل شيء ومن لا شيء في نفس الوقت ، ويظل يبحث عن شيء يبرر به خوفه أو يربطه به ، حتى أنه قد يلتمس لانزعاجه أوهى الأسباب وأقلها مدعاة للخوف والقلق ، ويكون قلقه وخوفه وتوتره أقوى كثيرا مما يتطلبه الموقف . ويؤدي به ذلك – على سبيل المثال – إلى تقلبه في فراض النوم دون استغراق فيه طوال ليالي فترة الامتحانات ، مع ضيق بالغ لعدم نومه هذا ، ورغبة شعورية جارفة للنوم حتى يستعيد نشاطه وقدرته على الاستذكار وأداء الامتحانات ، ومع ذلك فإن قلقه وانزعاجه يمنعانه من النوم . ولا تكاد تنقضي فترة الامتحانات حتى يبحث قلقه عن سبب آخر لاستحضاره ( كانتظار ظهور النتيجة وتوقع الرسوب ... إلخ ، وهكذا يظل المريض قلقا منشغلا ، سواء لأسباب واقعية أم لأسباب متوهمة ) .
       وواضح أن القلق العصابي هو قلق مرضي ، وعلى هذا يختلف عن القلق الذي يخبره الناس في الأحوال الطبيعية كرد فعل على الضغط النفسي أو الخطر ، عندما يستطيع الإنسان أن يميز بوضوح شيئا يتهدد أمنه أو سلامته ( كأن يصوب لص مسدسا إلى رأسه ، أو كأن تفشل كوابح ( فرامل ) السيارة ، فهو عندئذ يشعر بالاضطراب والارتجاف ، فيجف ريقه ، وتعرق يداه وجبهته ، وتزيد نبضات قلبه ، وتهتاج معدته ، ويشتد توتره ، ويعاني الخوف العقلي والقلق ) وأغلب الناس أحسوا بهذه المشاعر في أوقات الخطر والضغط (12 )
       هذا وينبهنا دافيد شيهان في كتابه عن القلق إلى وجود نوعين منه : أولهما هو القلق خارجي المنشأ ، ويكون استجابة سوية للضغط من خارج الفرد ، أما الثاني فهو القلق داخلي المنشأ ، والذي توجد دلائل كثيرة توحي بأنه مرض ( 13 ) .
       ويضيف أحمد عبد الخالق إلى أن القلق العصابي هو خوف مزمن من أشياء ، أو أشخاص ، أو مواقف لا تبرر الخوف منها بصورة طبيعية ، أو لسبب واضح ، مع توافر أعراض نفسية وجسمية شتى ثابتة ومتكررة إلى حد كبير ، ولذا يسمى بالقلق الباثولوجي ، أي المرضي ، كما يدعى القلق الهائم الطليق ( 1 )
تعريف القلق :
       هو شعور غير سار ، بالتوقع والخوف والتحفز والتوتر ، مصحوب ببعض الإحساسات الجسمية ، وخاصة زيادة نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي .
أو هو حالة توتر شامل ومستمر نتيجة توقع تهديد خطر فعلي أو رمزي قد يحدث ، ويصحبها خوف غامض ، وأعراض نفسية جسمية .
ويمكن اعتبار القلق انفعالا مركبا من الخوف وتوقع التهديد والخطر .
       ولكن قد يتحول القلق إلى صور أخرى من العصاب باستخدام ميكانيزمات الدفاع ( كأن يعزل مخاوفه وصراعاته إلى موضوع أو موقف رمزي ، أو يلجأ إلى التكوين العكسي ، فيخفي ما يبطن ويبدل الشيء بنقيضه ، وهذا هو الحواز ، أو يستدمج موضوع الحب والكره ليصبح جزء من ذاته ، وهذا هو الاكتئاب ) وهكذا يلجأ الفرد للحيل أحيانا ليخفف من ألمه الذي لا ينتهي ..    
لذا لابد من المقارنة بين الخوف والقلق النفسي من الناحيتين الفسيولوجية والسيكولوجية وذلك :
أنه من الناحية الفسيولوجية فإن الخوف يصحبه نقص شديد في ضغط الدم وضربات القلب وارتخاء العضلات ، مما يؤدي إلى حالة من الإغماء ، وذلك في حالة الخوف الشديد . أما القلق النفسي فيصاحبه زيادة في ضغط الدم وضربات القلب وتوتر في العضلات مع تحفز وعدم استقرار وكثرة في الحركة .
ولكن من الناحية السيكولوجية فإن الفرق يكمن في الأتي :
هو أن الخوف سببه معروف ، وتهديده خارجي ، وتعريفه محدد ، والصراع فيه غير موجود ، ومدته حادة .. أما القلق فسببه مجهول ، وتهديده داخلي ، وتعريفه غامض ، والصراع فيه موجود ، ومدته مزمنة
       ولكن أحيانا القلق يسبب الاكتئاب كموظف صغير مسئول عن الخزينة ، ودوما يخشى من ضياع النقود ، فيصاب بالقلق ، ولكن قد يقلل القلق من تركيزه ويشتت انتباهه ن فيغري بعض الآخرين بسرقته ، فتظهر عليه علامات الاكتئاب .
تصنيف القلق :
يصنف القلق إلى :
1 – القلق العام :
وهو الذي لا يرتبط بشيء محدد ( 18 ).
2 – القلق الموضوعي العادي :
حيث يكون مصدره خارجيا وموجودا فعلا ، ويطلق عليه أحيانا القلق الواقعي أو القلق الصحيح أو القلق السوي ، ويحدث هذا في مواقف التوقع أو الخوف من فقدان شيء ، مثل القلق المتعلق بالنجاح في عمل جديد أو امتحان أو الإقدام على الزواج (7). ويحدث أيضا في وجود متاعب خارجية واضحة ، ويزول بزوال السبب ( 21 ) .
3 – القلق العصابي :
وهو داخلي المصدر ، وأسبابه لاشعورية مكبوتة غير معروفة ، ولا مبرر له ، ولا يتفق مع الظروف الداعية إليه ، ويعوق التوافق والإنتاج والتقدم والسلوك العادي (7). ولا يزول بزوال السبب ، ولكن يحتاج إلى العلاج النفسي ، كالخوف من الظلام ، والعفاريت أو الخيالات (21).
4 – القلق الكياني :
       وهو الذي لا يتعلق بمشكلة التكيف ، وإنما بطبيعة الوجود نفسه   ( من أنا ؟ لماذا نعيش .... إلخ ) ، وهو قد يكون في بداية الذهان .... (18).
5 – القلق الثانوي :
وهو القلق كعرض من أعراض الاضطرابات النفسية الأخرى ، حيث يعتبر القلق عرضا مشتركا في جميع الأمراض النفسية تقريبا ، أي هو الذي يصاحب الأمراض النفسية والعقلية الأخرى (7) ، كالوسواس القهري ، أو الذي يصاحب بعض الأعراض الجسمية ، كارتفاع درجة الحرارة ، والتهاب اللوزتين ... إلخ ( 21 ) .
أسباب القلق :
تتعدد أسباب القلق ، ومن أهمها :
1 – الوراثة :
كثيرا ما نلاحظ أن والدي المريض – وأحيانا أقاربه الآخرين -  يعانون من نفس القلق ، وهذا يدل على اضطراب البيئة التي نشأ فيها المريض بقدر ما يدل على أهمية الوراثة ، (18) وقد تختلط العوامل الوراثية بالعوامل البيئية (7)
2 – الاستعداد النفسي كالشعور بالتهديد الداخلي أو الخارجي الذي تفرضه بعض الظروف البيئية بالنسبة لمكانة الفرد وأهدافه ، والتوتر النفسي الشديد ، والأزمات أو المتاعب أو الخسائر المفاجئة والصدمات النفسية ، والشعور بالذنب والخوف من العقاب والنقص ، والصراع بين الدوافع والاتجاهات والاحباط والفشل اقتصاديا أو زواجيا أو مهنيا ... إلخ ، والحلول الخاطئة وكثرة المحرمات الثقافية .
3 – مواقف الحياة الضاغطة كالضغوط الحضارية والثقافية والبيئية الحديثة ، ومطالب ومطامح المدنية المتغيرة ( نحن نعيش في عصر القلق ) ، والبيئة القلقة المشبعة بعوامل الخوف والهم ومواقف الضغط والوحدة والحرمان وعدم الأمن ، واضطراب الجو الأسري وتفكك الأسرة ، والوالدان العصبيان القلقان أو أو المنفصلان ، وعدوى القلق وخاصة من الوالدين .
4 – مشكلات الطفولة والمراهقة والشيخوخة ، ومشكلات الحاضر التي تنشط ذكريات الصراعات في الماضي ، والطرق الخاطئة في تنشئة الأطفال مثل القسوة والتسلط والحماية الزائدة والحرمان ... إلخ واضطراب العلاقات الشخصية مع الآخرين .
5 – التعرض للحوادث والخبرات الحادة(اقتصاديا أو عاطفيا أو تربويا ) ، والخبرات الجنسية الصادمة خاصة في الطفولة والمراهقة ، والارهاق الجسمي والتعب والمرض .
6 – الطرق الخاطئة لتجنب الحمل ، والحيطة الطويلة خاصة الجماع الناقص ، وعدم التطابق بين الذات الواقعية والذات المثالية وعدم تحقيق الذات وظروف الحرب (7).
7 – أسباب مرسبة :
       مثل توقع خيبة الأمل أو صعوبات العمل ، أو فقدان عزيز ، أو اضطراب في العلاقة بالجنس الآخر ، أو أي صدمة نفسية أخرى ، ويمكن أن يكون السبب عضويا مثل الحمى أو الإصابة أو غيرها (18)
8 – أسباب فسيولوجية :
       يتبين أن أسباب القلق الفسيولوجية هي نشاط الجهازين السيمبتاوي والباراسيمبتاوي ، خاصة الأول ، ومركزه الأعلى في الدماغ في الهيبوثلاموس ، وهو في وسط دائرة الألياف العصبية الخاصة بالانفعال ، وتؤدي هذه الأجهزة نشاطها من خلال هرمونات عصبية ، ولذا من الممكن وقف هذه الأعراض بإعطاء عقاقير مانعة ومضادة لهذه الهرمونات ، مما يقلل من خوف الفرد المصاب ، وبالتالي إلى وقف الدائرة المفرغة خوف – قلق – مزيد من الخوف والأعراض – قلق ... إلخ (3) .
أعراض القلق :
قد يشكو المصاب بالقلق من أعراض تتصل بنفسه أو بجسمه ، وعادة ما يشكو بهما معا ، لذا تتعدد أعراض القلق ، ومن أهمها :
1 – الأعراض الجسمية للقلق : وتنشأ من زيادة في نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي ، ومن ثم تزيد نسبة الأدرنالين والنورأدرنالين في الدم ( مع تنبيه الجهاز السمبتاوي ) ، ومن ثم يظهر كل من :
* الضعف العام ونقص الطاقة الحيوية والنشاط والمثابرة .
* وتوتر العضلات وآلام عضلية فوق القلب والناحية اليسرى من الصدر
* و النشاط الحركي الزائد .
* واللازمات العصبية الحركية .
* والتعب والصداع المستمر الذي لا يهدئه الأسبرين .
* وتصبب العرق بغزارة ، وعرق الكتفين وارتعاش الأصابع .
* تنميل وخدار في الأطراف .
* وشحوب الوجه .
* فقدان التوازن وخفية الرأس .
* وسرعة النبض والخفقان .
* وسرعة ضربات القلب ، والإحساس بالنبضات في كل مكان ، في رأسه ، وفي مخه ، مما يجعله في حالة ذعر من احتمال حدوث انفجار في المخ ، والذي لم يحدث بالطبع . كذلك يشعر المريض ببعض ضربات القلب غير المنتظمة .
* وآلام الصدر والإحساس بالنبضات في أجزاء مختلفة من الجسم .
* وارتفاع ضغط الدم .
* واضطراب التنفس وعسره ونوبات التنهد والشعور بضيق الصدر .
* والدوار والغثيان والقيء ووجع المعدة .
* والإسهال وزيادة مرات الإخراج .
* وتكرار التجشؤ ، والانتفاخ ، وعسر الهضم .
* وجفاف الفم والحلق .
* وفقد الشهية وصعوبة في البلع ونقص الوزن .
* وإرهاق الحواس مع شدة الحساسية للصوت والضوء .
* والتعب عند الاستيقاظ .
* واضطراب الوظيفة الجنسية ( العنة والقذف السريع عند الرجال والبرود الجنسي واضطراب العادة الشهرية عند النساء ) .
2 – الأعراض النفسية للقلق : وتشمل :
* الشعور بالتوتر العام والقلق على الصحة والعمل والمستقبل .
* والعصبية والتوتر العام وعدم الاستقرار والشعور بعدم الراحة .
* والحساسية النفسية الزائدة ، فيصبح شعور المريض مرهفا جدا .
* وسهولة الاستثارة والهياج ، وعدم الاستقرار .
* والمخاوف العامة غير المحددة والتي قد تصل إلى درجة الفزع ( أي يكون الفرد خائفا ولكنه لا يعرف لماذا ، ويكون لديه شعور أن شيئا ما سيحدث ولكنه لا يعرف ما هو ) .
* والشك والارتباك والتردد في اتخاذ القرارات .
* والهم والاكتئاب العابر .
* والتشاؤم والانشغال بأخطاء الماضي وكوارث المستقبل .
* وتوهم المرض ، والإحساس بقرب النهاية والخوف من الموت .
* واضطراب النوم والأرق ، والأحلام المزعجة والكابوس .
* وضعف القدرة على التركيز وشرود الذهن واضطراب قوة الملاحظة
* وضعف القدرة على العمل والإنتاج والانجاز .
* وسوء التوافق الاجتماعي ، وسوء التوافق المهني ، وقد يصل الحال إلى السلوك العشوائي غير المضبوط .
* وتناول شرب الخمر أو تناول العقاقير المنومة أو المهدئة .
تشخيص القلق :
1 -  في التشخيص يجب العناية بالفحص الطبي الدقيق ، وتقييم الشخصية ودراسة تاريخ الحالة .
2 – وفي حالة وجود الأعراض الجسمية ، يجب عدم الخلط بين القلق والاضطرابات العضوية الأخرى أو الاضطرابات العصابية الأخرى مثل الهستيريا أو الاكتئاب ( وفي كثير من الحالات نلاحظ أن بعض المرضى يذكرون الأعراض الجسمية ، ولا يذكرون أي شيء من الأعراض الانفعالية للقلق ، لاعتبارهم أن القلق مرض نفسي ، وهم يريدون أن يدفعوا عن أنفسهم أنهم مرضى نفسيون .
3 – في التشخيص يجب التفريق بين القلق المرضي أو العصابي الحاد المزمن ، وبين القلق الموضوعي أو السوي .
4 – في التشخيص يجب التفريق بين القلق وبين الفصام في مراحله الأولى ، والفارق الأساسي بينهما وجود اضطراب الإدراك والتفكير في الفصام وعدم وجوده في القلق .
علاج القلق :
إن أهم ما يتخذ تمهيدا للعلاج ، هو تقصي تاريخ المريض ، تفصيلا ، وفحصه فحصا شاملا ، ثم نتقدم بعد ذلك في علاجه ، وإن من
أهم التوصيات العلاجية للقلق ما يلي :
1 – العلاج النفسي للقلق :
ويهدف لتطوير شخصية المريض ، وزيادة بصيرته ، وتحقيق التوافق باستخدام التنفيس والإيحاء والإقناع والتدعيم والمشاركة الوجدانية والتشجيع وإعادة الثقة في النفس وقطع دائرة المخاوف المرضية والشعور بالأمن . ويفيد التحليل النفسي وإظهار الذكريات المطمورة وتحديد أسباب القلق الدفينة في اللاشعور ، وتنفيس المكبوتات ، وحل الصراعات الأساسية . ويستخدم العلاج السلوكي خاصة لفك الإشراط المرضي المتعلق بالقلق وللقضاء على اللازمات العصبية الحركية ( كفتل الشعر أو الشارب ، تقطيب الجبهة ، رمش العينين ، رمش المنخر ، مسح الأنف والأذن ، اختلاج الفم ، عض الشفاه ، مص الإبهام أو الأصابع ، قضم الأظافر ، الإيماء بالرأس ، أو هزة تحريك العنق ، إدارة الرأس ، عصر حبوب الوجه ) .
       كما تفيد المناقشة والشرح والتفسير والتعليم والتفهيم وكشف الأسباب ودينامياتها وشرح الجهاز العصبي خاصة الجهاز العصبي المركزي والذاتي والتغيرات الفسيولوجية المصاحبة للقلق (18).
       كما يفيد العلاج النفسي التدعيمي ، في علاج هذا النوع من العصاب ، وذلك بتعليم المريض الاسترخاء عن طريق تخيل بأنه موجود في مكان يحب أن يكون فيه (16)
2 – الإرشاد العلاجي والإرشاد الزواجي للقلق :
وحل مشكلات المريض وتعليمه كيف يحلها ويهاجمها دون الهرب منها .
3 – العلاج البيئي للقلق :
كتعديل العوامل البيئية ذات الأثر الملحوظ مثل تغيير العمل ، وتخفيف أعباء المريض ، وتخفيف الضغوط البيئية ومثيرات التوتر ، والعلاج الاجتماعي والرياضي والرحلات والصداقات والتسلية والموسيقى والعلاج بالعمل ) .
4 – العلاج الطبي للأعراض الجسمية المصاحبة للقلق :
بتطمين المريض أنه لا يوجد لديه مرض جسمي ، واستخدام المسكنات ( مثل الباربيتورات ) واستخدام المهدئات( مثل ستيلازين ) ، واستخدام العقاقير المضادة للقلق ( مثل ليبريوم ) . وهنا يجب تعريف المريض أن هذه مسكنات ومهدئات ، حتى لا يعتقد أن مرضه عضوي المنشأ . ويجب الحرص في استخدام العقاقير المهدئة خشية حدوث الإدمان . وقد وجد استخدام علاج التنبيه الكهربائي والعلاج المائي في بعض الحالات .
5 – العلاج الاجتماعي :
       ويتركز في تكييف حالة المنزل والعمل ، حتى نخفف عن كاهل المريض بعض أعبائه التي تزيد من حالته (18) ، وإزالة الأسباب العائلية المسببة للقلق (16) .
مآل القلق :
مآله حسن جدا ، خاصة كلما كانت الشخصية قبل المرض متوازنة والانا قوية ، وكلما كانت ظروف حياة المريض أقل قسوة ، وكلما كانت مكاسبه الأولية والثانوية من المرض أقل ، وكلما كانت دافعيته للشفاء وتعاونه مع المعالج أقوى .
وفيما يلي حالة لعصاب القلق :
       موظف ، كتابي بإحدى الشركات ، عمره ( 23 سنة ) ، أعزب ، يقيم بالقاهرة ، وموطنه الأصلي إحدى قرى الصعيد . كانت شكواه بنص كلامه كما يلي : " القلق المستمر ، أبص ألاقي حالات جسمانية تصيبني ، مرة بيقوسولي الضغط ، يلاقوه عالي ، ومرة طبيعي . بالليل آجي أنام ، أبقى مش عارف . أبص ألاقي كإن فيه حاجة فوق رأسي مقفلة عيني ، آخذ علاج الضغط مفيش فايدة ، في شغلي بعد ما كنت منظم وكويس دلوقت مش قادر أشتغل ، اقعد على مكتبي خمس دقائق أروح قايم ، رغم إني عارف إن شغلي متعطل ، في الفترة الأخيرة لقيت نفسي باثور لأتفه الأسباب زي النهاردة الصبح داخل ، الساعي جه قال لي مش عارف إيه ، رحت واخذه بكوباية الينسون ... لو فيه موضوع معين في مخي عايز أدرسه ، ألاقي مخي مش قادر أركز ، ولا أعرف ابتدي منين ، لا يمكن دلوقت أقدر أقرأ حاجة ، وتثبت في دماغي على الرغم من إني كنت متفوق في دراستي ... كثير وأنا ماشي في الشارع يتهيأ لي أن فيه عربية حتصدمني .
       وبدراسة تاريخه الأسري ، وظروف تنشئته ، تبين أنه نشأ في بيئة محافظة ، فقيرة في الصعيد ، وكان أكبر إخوته ، وأن والدته ماتت وهو في سن الرابعة عشرة ، ( وكانت وقت موتها غضبانة في بيت والدها !! ) ... وأنها هي التي كانت تحرص على أن يتعلم ، حتى أن أخوته الأصغر منه لم يتعلموا ، وربما كان ذلك بسبب موتها ، وكانت تحرص على أن تراه متفوقا جدا ، فيقول : " مرة طلعت الثاني ، قلعت الشبشب وضربتني " ، وكانت علاقته بوالده سيئة للغاية ... " كان باستمرار يضربني ويطردني ويقولي : " انت لو نجحت حتعملي إيه ؟ " .. وتزوج الوالد بعد وفاه الوالدة مباشرة ،وكانت زوجة الأب قاسية " مسيطرة على كل حاجة ، وإن كانت في الفترة الأخيرة بتحاول تتقرب مني ، علشان أساعدهم ماديا " ، وكان رب الأسرة هو جد المريض     ( والد أبيه ) ، وكانت شخصيته مسيطرة على كل من بالمنزل ، وهو الذي صمم على أن يكمل المريض تعليمه ، ولكنه كان سببا في صدمة المريض نفسيا منذ الصغر ، إذ أن المريض اكتشف علاقة بين جدة وزوجة أبيه ، فصدم صدمة شديدة ... هزت مثله العليا ، وحاول أن ينبه جده إلى أنه رأى ذلك المنظر بطريق غير مباشر ، فأخذ يقص عليه قصته ، وكأنه قرأها في كتب المدرسة ، وكان فحوى القصة ما جرى بين الجد وزوجه الأب ، وما كاد الجد يسمع هذه القصة حتى تبين ما يعنيه حفيده ، فأصيب بنوبة قلبية ، فشهق ومات ( ! ) ( ولم نستطيع التأكد من مدى صحة هذه الرواية ! ) ... وشعر بعد ذلك المريض بشعور بالذنب ، وأنه السبب في وفاة جده الحريص على تعليمه ، ولكنه كان يبرر ذلك بأنه لو ترك الأمور تسير دون تدخل منه لكان من المحتمل أن يكتشف والده العلاقة وينهار البيت جميعه . أما السبب المرسب فكان انتهاء علاقة حب بين المريض وبين إحدى الفتيات التي كانت على غير دينه ، وابتدأت كل أعراض القلق تقريبا حين أخبرته أن قريبا لها خطبها .
       وبالفحص العضوي تبين أن جسمه سليم ، وأن أعراضه ليس لها ما يبررها عضويا .
       وهكذا نرى كيف تلعب الأسباب المهيئة دورا هاما في الإعداد للمرض ، وهي في هذه الحالة فقر الأسرة ، وقسوة الوالد ، ووفاه الأم ، وسوء معاملته زوجة الأب ، ثم سيطرة الجد ، ثم تحطيم المثل الأعلى فيه ، ثم الشعور بالذنب نحو وفاته .
       ونرى أن السبب المرسب وهو خيبة الأمل في الحب ، وكان يمكن أن يمر بسلام لولا كل هذه المقدمات .

       ونحب أن نشير إلى أن روايته عن حادثة جده وزوجة أبيه ثم وفاة جده ، بهذه الصورة الدرامية قد كان لها دلالتها في تكوين نفسية المريض  وفي العلاج ، سواء كانت حقيقة أم من نسج الخيال (18) .
xx
[تصفح أقسام المكتبة المجانية][grids]