عصاب القلق

Anxiety Neurosis
إن القلق هو روح
الحياة Spirit
of life بالنسبة للإنسان ... فإن لم يكن هنالك قلق ، فليس هناك حياة
للإنسان ، وذلك لأن القلق يعد بمثابة الطاقة المحركة للإنسان ... فكلنا نعيش القلق
، ولكن بدرجات متفاوتة وبظروف مختلفة ...
بالإضافة إلى أن القلق استجابة وجدانية Emotional
response لموقف معين هو حارس للحياة النفسية للإنسان Spirictive
.
فإذا زاد القلق عن حده الطبيعي ، ووصل
إلى الشكل المرضي ، فهو يصبح هنا تكثيفا للمشاعر الإنسانية ، وموقفا متطرفا لإحساس
طبيعي ...
وعادة ما يسبق القلق ظهور الأنواع
المختلفة من الأمراض النفسية ، أو يصاحبها ، إلا أنه في بعض الأحيان قد يكون هو
العرض المرضي الوحيد المستمر دون أن يتطور إلى مرض نفسي معين ، ويطلق عليه عندئذ
القلق العصابي . فإذا بالمريض يظل قلقا خائفا من كل شيء ومن لا شيء في نفس الوقت ،
ويظل يبحث عن شيء يبرر به خوفه أو يربطه به ، حتى أنه قد يلتمس لانزعاجه أوهى
الأسباب وأقلها مدعاة للخوف والقلق ، ويكون قلقه وخوفه وتوتره أقوى كثيرا مما
يتطلبه الموقف . ويؤدي به ذلك – على سبيل المثال – إلى تقلبه في فراض النوم دون
استغراق فيه طوال ليالي فترة الامتحانات ، مع ضيق بالغ لعدم نومه هذا ، ورغبة
شعورية جارفة للنوم حتى يستعيد نشاطه وقدرته على الاستذكار وأداء الامتحانات ، ومع
ذلك فإن قلقه وانزعاجه يمنعانه من النوم . ولا تكاد تنقضي فترة الامتحانات حتى
يبحث قلقه عن سبب آخر لاستحضاره ( كانتظار ظهور النتيجة وتوقع الرسوب ... إلخ ،
وهكذا يظل المريض قلقا منشغلا ، سواء لأسباب واقعية أم لأسباب متوهمة ) .
وواضح أن القلق العصابي هو قلق مرضي ، وعلى
هذا يختلف عن القلق الذي يخبره الناس في الأحوال الطبيعية كرد فعل على الضغط
النفسي أو الخطر ، عندما يستطيع الإنسان أن يميز بوضوح شيئا يتهدد أمنه أو سلامته
( كأن يصوب لص مسدسا إلى رأسه ، أو كأن تفشل كوابح ( فرامل ) السيارة ، فهو عندئذ
يشعر بالاضطراب والارتجاف ، فيجف ريقه ، وتعرق يداه وجبهته ، وتزيد نبضات قلبه ،
وتهتاج معدته ، ويشتد توتره ، ويعاني الخوف العقلي والقلق ) وأغلب الناس أحسوا
بهذه المشاعر في أوقات الخطر والضغط (12 )
هذا وينبهنا دافيد شيهان في كتابه عن القلق
إلى وجود نوعين منه : أولهما هو القلق خارجي المنشأ ، ويكون
استجابة سوية للضغط من خارج الفرد ، أما الثاني فهو القلق داخلي المنشأ ، والذي
توجد دلائل كثيرة توحي بأنه مرض ( 13 ) .
ويضيف أحمد عبد الخالق إلى أن القلق
العصابي هو
خوف مزمن من أشياء ، أو أشخاص ، أو مواقف لا تبرر الخوف منها بصورة طبيعية ، أو
لسبب واضح ، مع توافر أعراض نفسية وجسمية شتى ثابتة ومتكررة إلى حد كبير ، ولذا
يسمى بالقلق الباثولوجي ، أي المرضي ، كما يدعى القلق الهائم الطليق ( 1 )
تعريف القلق :
هو شعور غير سار ،
بالتوقع والخوف والتحفز والتوتر ، مصحوب ببعض الإحساسات الجسمية ، وخاصة زيادة
نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي .
أو هو حالة توتر شامل ومستمر نتيجة توقع
تهديد خطر فعلي أو رمزي قد يحدث ، ويصحبها خوف غامض ، وأعراض نفسية جسمية .
ويمكن اعتبار القلق انفعالا مركبا من
الخوف وتوقع التهديد والخطر .
ولكن قد يتحول القلق إلى صور أخرى من
العصاب باستخدام ميكانيزمات الدفاع ( كأن يعزل مخاوفه وصراعاته إلى موضوع أو موقف
رمزي ، أو يلجأ إلى التكوين العكسي ، فيخفي ما يبطن ويبدل الشيء بنقيضه ، وهذا هو
الحواز ، أو يستدمج موضوع الحب والكره ليصبح جزء من ذاته ، وهذا هو الاكتئاب )
وهكذا يلجأ الفرد للحيل أحيانا ليخفف من ألمه الذي لا ينتهي ..
لذا لابد من المقارنة بين الخوف والقلق
النفسي من الناحيتين الفسيولوجية والسيكولوجية وذلك :
أنه
من الناحية الفسيولوجية فإن الخوف يصحبه نقص شديد في ضغط الدم وضربات القلب
وارتخاء العضلات ، مما يؤدي إلى حالة من الإغماء ، وذلك في حالة الخوف الشديد .
أما القلق النفسي فيصاحبه زيادة في ضغط الدم وضربات القلب وتوتر في العضلات مع
تحفز وعدم استقرار وكثرة في الحركة .
ولكن
من الناحية السيكولوجية فإن الفرق يكمن في الأتي :
هو
أن الخوف سببه معروف ، وتهديده خارجي ، وتعريفه محدد ، والصراع فيه غير موجود ،
ومدته حادة .. أما القلق فسببه مجهول ، وتهديده داخلي ، وتعريفه غامض ، والصراع
فيه موجود ، ومدته مزمنة
ولكن أحيانا القلق يسبب الاكتئاب كموظف
صغير مسئول عن الخزينة ، ودوما يخشى من ضياع النقود ، فيصاب بالقلق ، ولكن قد يقلل
القلق من تركيزه ويشتت انتباهه ن فيغري بعض الآخرين بسرقته ، فتظهر عليه علامات
الاكتئاب .
تصنيف القلق :
يصنف القلق إلى :
1 – القلق العام :
وهو الذي لا يرتبط
بشيء محدد ( 18 ).
2 – القلق الموضوعي العادي :
حيث يكون مصدره خارجيا وموجودا فعلا ،
ويطلق عليه أحيانا القلق الواقعي أو القلق الصحيح أو القلق السوي ، ويحدث هذا في
مواقف التوقع أو الخوف من فقدان شيء ، مثل القلق المتعلق بالنجاح في عمل جديد أو
امتحان أو الإقدام على الزواج (7). ويحدث أيضا في وجود متاعب خارجية واضحة ، ويزول
بزوال السبب ( 21 ) .
3 – القلق العصابي :
وهو داخلي المصدر ، وأسبابه لاشعورية
مكبوتة غير معروفة ، ولا مبرر له ، ولا يتفق مع الظروف الداعية إليه ، ويعوق
التوافق والإنتاج والتقدم والسلوك العادي (7). ولا يزول بزوال السبب ، ولكن يحتاج
إلى العلاج النفسي ، كالخوف من الظلام ، والعفاريت أو الخيالات (21).
4 – القلق الكياني :
وهو الذي لا يتعلق
بمشكلة التكيف ، وإنما بطبيعة الوجود نفسه ( من أنا ؟ لماذا نعيش .... إلخ ) ، وهو قد
يكون في بداية الذهان .... (18).
5
– القلق الثانوي :
وهو القلق كعرض من أعراض الاضطرابات
النفسية الأخرى ، حيث يعتبر القلق عرضا مشتركا في جميع الأمراض النفسية تقريبا ،
أي هو الذي يصاحب الأمراض النفسية والعقلية الأخرى (7) ، كالوسواس القهري ، أو
الذي يصاحب بعض الأعراض الجسمية ، كارتفاع درجة الحرارة ، والتهاب اللوزتين ...
إلخ ( 21 ) .
أسباب القلق :
تتعدد أسباب القلق ،
ومن أهمها :
1 – الوراثة :
كثيرا ما نلاحظ أن والدي المريض –
وأحيانا أقاربه الآخرين - يعانون من نفس
القلق ، وهذا يدل على اضطراب البيئة التي نشأ فيها المريض بقدر ما يدل على أهمية
الوراثة ، (18) وقد تختلط العوامل الوراثية بالعوامل البيئية (7)
2
– الاستعداد النفسي كالشعور بالتهديد الداخلي أو الخارجي
الذي تفرضه بعض الظروف البيئية بالنسبة لمكانة الفرد وأهدافه ، والتوتر النفسي
الشديد ، والأزمات أو المتاعب أو الخسائر المفاجئة والصدمات النفسية ، والشعور
بالذنب والخوف من العقاب والنقص ، والصراع بين الدوافع والاتجاهات والاحباط والفشل
اقتصاديا أو زواجيا أو مهنيا ... إلخ ، والحلول الخاطئة وكثرة المحرمات الثقافية .
3
– مواقف الحياة الضاغطة كالضغوط الحضارية والثقافية والبيئية
الحديثة ، ومطالب ومطامح المدنية المتغيرة ( نحن نعيش في عصر القلق ) ، والبيئة
القلقة المشبعة بعوامل الخوف والهم ومواقف الضغط والوحدة والحرمان وعدم الأمن ،
واضطراب الجو الأسري وتفكك الأسرة ، والوالدان العصبيان القلقان أو أو المنفصلان ،
وعدوى القلق وخاصة من الوالدين .
4
– مشكلات الطفولة والمراهقة والشيخوخة ، ومشكلات الحاضر
التي تنشط ذكريات الصراعات في الماضي ، والطرق الخاطئة في تنشئة الأطفال مثل
القسوة والتسلط والحماية الزائدة والحرمان ... إلخ واضطراب العلاقات الشخصية مع
الآخرين .
5
– التعرض للحوادث والخبرات الحادة(اقتصاديا أو عاطفيا أو تربويا ) ،
والخبرات الجنسية الصادمة خاصة في الطفولة والمراهقة ، والارهاق الجسمي والتعب
والمرض .
6
– الطرق الخاطئة لتجنب الحمل ، والحيطة الطويلة خاصة الجماع الناقص ،
وعدم التطابق بين الذات الواقعية والذات المثالية وعدم تحقيق الذات وظروف الحرب (7).
7 – أسباب مرسبة :
مثل توقع خيبة الأمل أو صعوبات العمل ، أو
فقدان عزيز ، أو اضطراب في العلاقة بالجنس الآخر ، أو أي صدمة نفسية أخرى ، ويمكن
أن يكون السبب عضويا مثل الحمى أو الإصابة أو غيرها (18)
8 – أسباب فسيولوجية :
يتبين أن أسباب القلق الفسيولوجية هي نشاط
الجهازين السيمبتاوي والباراسيمبتاوي ، خاصة الأول ، ومركزه الأعلى في الدماغ في
الهيبوثلاموس ، وهو في وسط دائرة الألياف العصبية الخاصة بالانفعال ، وتؤدي هذه الأجهزة
نشاطها من خلال هرمونات عصبية ، ولذا من الممكن وقف هذه الأعراض بإعطاء عقاقير
مانعة ومضادة لهذه الهرمونات ، مما يقلل من خوف الفرد المصاب ، وبالتالي إلى وقف
الدائرة المفرغة خوف – قلق – مزيد من الخوف والأعراض – قلق ... إلخ (3) .
أعراض القلق :
قد يشكو المصاب بالقلق من أعراض تتصل
بنفسه أو بجسمه ، وعادة ما يشكو بهما معا ، لذا تتعدد أعراض القلق ، ومن أهمها
:
1 – الأعراض الجسمية للقلق : وتنشأ
من زيادة في نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي ، ومن ثم تزيد نسبة الأدرنالين
والنورأدرنالين في الدم ( مع تنبيه الجهاز السمبتاوي ) ، ومن ثم يظهر كل من :
*
الضعف العام ونقص الطاقة الحيوية والنشاط والمثابرة .
*
وتوتر العضلات وآلام عضلية فوق القلب والناحية اليسرى من الصدر
*
و النشاط الحركي الزائد .
*
واللازمات العصبية الحركية .
*
والتعب والصداع المستمر الذي لا يهدئه الأسبرين .
*
وتصبب العرق بغزارة ، وعرق الكتفين وارتعاش الأصابع .
*
تنميل وخدار في الأطراف .
*
وشحوب الوجه .
*
فقدان التوازن وخفية الرأس .
*
وسرعة النبض والخفقان .
*
وسرعة ضربات القلب ، والإحساس بالنبضات في كل مكان ، في رأسه ، وفي مخه ، مما
يجعله في حالة ذعر من احتمال حدوث انفجار في المخ ، والذي لم يحدث بالطبع . كذلك
يشعر المريض ببعض ضربات القلب غير المنتظمة .
*
وآلام الصدر والإحساس بالنبضات في أجزاء مختلفة من الجسم .
*
وارتفاع ضغط الدم .
*
واضطراب التنفس وعسره ونوبات التنهد والشعور بضيق الصدر .
*
والدوار والغثيان والقيء ووجع المعدة .
*
والإسهال وزيادة مرات الإخراج .
*
وتكرار التجشؤ ، والانتفاخ ، وعسر الهضم .
*
وجفاف الفم والحلق .
*
وفقد الشهية وصعوبة في البلع ونقص الوزن .
*
وإرهاق الحواس مع شدة الحساسية للصوت والضوء .
*
والتعب عند الاستيقاظ .
*
واضطراب الوظيفة الجنسية ( العنة والقذف السريع عند الرجال والبرود الجنسي واضطراب
العادة الشهرية عند النساء ) .
2 – الأعراض النفسية للقلق : وتشمل :
*
الشعور بالتوتر العام والقلق على الصحة والعمل والمستقبل .
*
والعصبية والتوتر العام وعدم الاستقرار والشعور بعدم الراحة .
*
والحساسية النفسية الزائدة ، فيصبح شعور المريض مرهفا جدا .
*
وسهولة الاستثارة والهياج ، وعدم الاستقرار .
*
والمخاوف العامة غير المحددة والتي قد تصل إلى درجة الفزع ( أي يكون الفرد خائفا
ولكنه لا يعرف لماذا ، ويكون لديه شعور أن شيئا ما سيحدث ولكنه لا يعرف ما هو ) .
*
والشك والارتباك والتردد في اتخاذ القرارات .
*
والهم والاكتئاب العابر .
*
والتشاؤم والانشغال بأخطاء الماضي وكوارث المستقبل .
*
وتوهم المرض ، والإحساس بقرب النهاية والخوف من الموت .
*
واضطراب النوم والأرق ، والأحلام المزعجة والكابوس .
*
وضعف القدرة على التركيز وشرود الذهن واضطراب قوة الملاحظة
*
وضعف القدرة على العمل والإنتاج والانجاز .
*
وسوء التوافق الاجتماعي ، وسوء التوافق المهني ، وقد يصل الحال إلى السلوك
العشوائي غير المضبوط .
* وتناول شرب الخمر أو تناول العقاقير
المنومة أو المهدئة .
تشخيص القلق :
1
- في التشخيص يجب العناية بالفحص الطبي
الدقيق ، وتقييم الشخصية ودراسة تاريخ الحالة .
2
– وفي حالة وجود الأعراض الجسمية ، يجب عدم الخلط بين القلق والاضطرابات العضوية
الأخرى أو الاضطرابات العصابية الأخرى مثل الهستيريا أو الاكتئاب ( وفي كثير من
الحالات نلاحظ أن بعض المرضى يذكرون الأعراض الجسمية ، ولا يذكرون أي شيء من
الأعراض الانفعالية للقلق ، لاعتبارهم أن القلق مرض نفسي ، وهم يريدون أن يدفعوا
عن أنفسهم أنهم مرضى نفسيون .
3
– في التشخيص يجب التفريق بين القلق المرضي أو العصابي الحاد المزمن ، وبين القلق
الموضوعي أو السوي .
4
– في التشخيص يجب التفريق بين القلق وبين الفصام في مراحله الأولى ، والفارق
الأساسي بينهما وجود اضطراب الإدراك والتفكير في الفصام وعدم وجوده في القلق .
علاج القلق :
إن أهم ما يتخذ تمهيدا للعلاج ، هو تقصي
تاريخ المريض ، تفصيلا ، وفحصه فحصا شاملا ، ثم نتقدم بعد ذلك في علاجه ، وإن من
أهم
التوصيات العلاجية للقلق ما يلي :
1 – العلاج النفسي للقلق :
ويهدف لتطوير شخصية المريض ، وزيادة
بصيرته ، وتحقيق التوافق باستخدام التنفيس والإيحاء والإقناع والتدعيم والمشاركة
الوجدانية والتشجيع وإعادة الثقة في النفس وقطع دائرة المخاوف المرضية والشعور
بالأمن . ويفيد التحليل النفسي وإظهار الذكريات المطمورة وتحديد أسباب
القلق الدفينة في اللاشعور ، وتنفيس المكبوتات ، وحل الصراعات الأساسية . ويستخدم
العلاج السلوكي خاصة لفك الإشراط المرضي المتعلق بالقلق وللقضاء على اللازمات
العصبية الحركية ( كفتل الشعر أو الشارب ، تقطيب الجبهة ، رمش العينين ، رمش
المنخر ، مسح الأنف والأذن ، اختلاج الفم ، عض الشفاه ، مص الإبهام أو الأصابع ،
قضم الأظافر ، الإيماء بالرأس ، أو هزة تحريك العنق ، إدارة الرأس ، عصر حبوب
الوجه ) .
كما تفيد المناقشة والشرح والتفسير
والتعليم والتفهيم وكشف الأسباب ودينامياتها وشرح الجهاز العصبي خاصة الجهاز
العصبي المركزي والذاتي والتغيرات الفسيولوجية المصاحبة للقلق (18).
كما يفيد العلاج النفسي التدعيمي ، في علاج
هذا النوع من العصاب ، وذلك بتعليم المريض الاسترخاء عن طريق تخيل بأنه موجود في
مكان يحب أن يكون فيه (16)
2 – الإرشاد العلاجي والإرشاد الزواجي للقلق
:
وحل مشكلات المريض
وتعليمه كيف يحلها ويهاجمها دون الهرب منها .
3 – العلاج البيئي للقلق :
كتعديل العوامل البيئية ذات الأثر
الملحوظ مثل تغيير العمل ، وتخفيف أعباء المريض ، وتخفيف الضغوط البيئية ومثيرات
التوتر ، والعلاج الاجتماعي والرياضي والرحلات والصداقات والتسلية والموسيقى
والعلاج بالعمل ) .
4 – العلاج الطبي للأعراض الجسمية
المصاحبة للقلق :
بتطمين المريض أنه لا يوجد لديه مرض
جسمي ، واستخدام المسكنات ( مثل الباربيتورات ) واستخدام المهدئات( مثل ستيلازين )
، واستخدام العقاقير المضادة للقلق ( مثل ليبريوم ) . وهنا يجب تعريف المريض أن
هذه مسكنات ومهدئات ، حتى لا يعتقد أن مرضه عضوي المنشأ . ويجب الحرص في
استخدام العقاقير المهدئة خشية حدوث الإدمان . وقد وجد استخدام علاج التنبيه
الكهربائي والعلاج المائي في بعض الحالات .
5 – العلاج الاجتماعي :
ويتركز في تكييف حالة
المنزل والعمل ، حتى نخفف عن كاهل المريض بعض أعبائه التي تزيد من حالته (18) ،
وإزالة الأسباب العائلية المسببة للقلق (16) .
مآل القلق :
مآله حسن جدا ، خاصة كلما كانت الشخصية
قبل المرض متوازنة والانا قوية ، وكلما كانت ظروف حياة المريض أقل قسوة ، وكلما
كانت مكاسبه الأولية والثانوية من المرض أقل ، وكلما كانت دافعيته للشفاء وتعاونه
مع المعالج أقوى .
وفيما يلي حالة لعصاب القلق :
موظف ، كتابي بإحدى
الشركات ، عمره ( 23 سنة ) ، أعزب ، يقيم بالقاهرة ، وموطنه الأصلي إحدى قرى
الصعيد . كانت شكواه بنص كلامه كما يلي : " القلق المستمر ، أبص ألاقي حالات
جسمانية تصيبني ، مرة بيقوسولي الضغط ، يلاقوه عالي ، ومرة طبيعي . بالليل آجي
أنام ، أبقى مش عارف . أبص ألاقي كإن فيه حاجة فوق رأسي مقفلة عيني ، آخذ علاج
الضغط مفيش فايدة ، في شغلي بعد ما كنت منظم وكويس دلوقت مش قادر أشتغل ، اقعد على
مكتبي خمس دقائق أروح قايم ، رغم إني عارف إن شغلي متعطل ، في الفترة الأخيرة لقيت
نفسي باثور لأتفه الأسباب زي النهاردة الصبح داخل ، الساعي جه قال لي مش عارف إيه
، رحت واخذه بكوباية الينسون ... لو فيه موضوع معين في مخي عايز أدرسه ، ألاقي مخي
مش قادر أركز ، ولا أعرف ابتدي منين ، لا يمكن دلوقت أقدر أقرأ حاجة ، وتثبت في
دماغي على الرغم من إني كنت متفوق في دراستي ... كثير وأنا ماشي في الشارع يتهيأ
لي أن فيه عربية حتصدمني .
وبدراسة تاريخه الأسري ، وظروف تنشئته ،
تبين أنه نشأ في بيئة محافظة ، فقيرة في الصعيد ، وكان أكبر إخوته ، وأن والدته
ماتت وهو في سن الرابعة عشرة ، ( وكانت وقت موتها غضبانة في بيت والدها !! ) ...
وأنها هي التي كانت تحرص على أن يتعلم ، حتى أن أخوته الأصغر منه لم يتعلموا ،
وربما كان ذلك بسبب موتها ، وكانت تحرص على أن تراه متفوقا جدا ، فيقول : "
مرة طلعت الثاني ، قلعت الشبشب وضربتني " ، وكانت علاقته بوالده سيئة للغاية
... " كان باستمرار يضربني ويطردني ويقولي : " انت لو نجحت حتعملي إيه ؟
" .. وتزوج الوالد بعد وفاه الوالدة مباشرة ،وكانت زوجة الأب قاسية "
مسيطرة على كل حاجة ، وإن كانت في الفترة الأخيرة بتحاول تتقرب مني ، علشان
أساعدهم ماديا " ، وكان رب الأسرة هو جد المريض ( والد أبيه ) ، وكانت شخصيته مسيطرة على كل
من بالمنزل ، وهو الذي صمم على أن يكمل المريض تعليمه ، ولكنه كان سببا في صدمة
المريض نفسيا منذ الصغر ، إذ أن المريض اكتشف علاقة بين جدة وزوجة أبيه ، فصدم
صدمة شديدة ... هزت مثله العليا ، وحاول أن ينبه جده إلى أنه رأى ذلك المنظر بطريق
غير مباشر ، فأخذ يقص عليه قصته ، وكأنه قرأها في كتب المدرسة ، وكان فحوى القصة
ما جرى بين الجد وزوجه الأب ، وما كاد الجد يسمع هذه القصة حتى تبين ما يعنيه
حفيده ، فأصيب بنوبة قلبية ، فشهق ومات ( ! ) ( ولم نستطيع التأكد من مدى صحة هذه
الرواية ! ) ... وشعر بعد ذلك المريض بشعور بالذنب ، وأنه السبب في وفاة جده
الحريص على تعليمه ، ولكنه كان يبرر ذلك بأنه لو ترك الأمور تسير دون تدخل منه
لكان من المحتمل أن يكتشف والده العلاقة وينهار البيت جميعه . أما السبب المرسب
فكان انتهاء علاقة حب بين المريض وبين إحدى الفتيات التي كانت على غير دينه ،
وابتدأت كل أعراض القلق تقريبا حين أخبرته أن قريبا لها خطبها .
وبالفحص العضوي تبين أن جسمه سليم ، وأن
أعراضه ليس لها ما يبررها عضويا .
وهكذا نرى كيف تلعب الأسباب المهيئة دورا
هاما في الإعداد للمرض ، وهي في هذه الحالة فقر الأسرة ، وقسوة الوالد ، ووفاه
الأم ، وسوء معاملته زوجة الأب ، ثم سيطرة الجد ، ثم تحطيم المثل الأعلى فيه ، ثم
الشعور بالذنب نحو وفاته .
ونرى أن السبب المرسب وهو خيبة الأمل في
الحب ، وكان يمكن أن يمر بسلام لولا كل هذه المقدمات .
ونحب أن نشير إلى أن روايته عن حادثة جده
وزوجة أبيه ثم وفاة جده ، بهذه الصورة الدرامية قد كان لها دلالتها في تكوين نفسية
المريض وفي العلاج ، سواء كانت حقيقة أم
من نسج الخيال (18) .
xx |