عصاب توهم المرض ( الهيبوكوندريا)

Hypochondria Neurosis
المريض هنا يتوهم إصابته فعلا بمرض أو أمراض معينة ، أو يتوهم استعداده للإصابة السريعة بمرض أو أمراض معينة ، لهذا فهو دائم التخوف والاحتياط حتى لا يصاب بالمرض ، وهو منشغل انشغالا زائدا بصحته وخائف عليها ، ومهتم اهتماما مفرطا بها ، وإن أصابته أخف الأمراض وأهونها جزع لذلك أشد الجزع ، وتوهم أنه أصيب بأشد الأمراض فتكا ، وظل في قلق بالغ حتى يشفى ، ولا يكاد يشفى حتى تعاوده مخاوفه من الإصابة بمرض خطير آخر .. وهكذا , وغالبا ما يفشل الآخرون ، بل وربما أطباؤه – أيضا – في طمأنته على صحته ، وفي إقناعه بخلوه من المرض . ومن هنا ، فهو دائم الشكوى من إصابته المتوهمة بأمراض معينة ، أو من خوفه من الإصابة بها ، حتى أن البعض يميل إلى تسميه هذا المرض بوسواس المرض (7).
تعريف توهم المرض :
       هو اضطراب نفسي المنشأ ، عبارة عن اعتقاد راسخ بوجود مرض ، رغم عدم وجود دليل طبي على ذلك . وهو تركيز الفرد على أعراض جسمية ، ليس لها أساس عضوي ، وذلك يؤدي على حصر تفكير الفرد في نفسه ، واهتمامه المرضي الدائم بصحته وجسمه ، بحيث يطغى على كل الاهتمامات الأخرى ، ويعوق اتصاله السوي بالآخرين ، ويشعره بالنقص والشك في نفسه ، كما يعوق اتصاله أيضا بالبيئة المحيطة به ، ويطلق عليه أحيانا " رد فعل توهم المرض " Hypochondriacal Reaction (7) .
       ويختلف هذا المرض عن الهستيريا وعن الاضطرابات السيكوسوماتية ، بانه لا يصحبه اضطراب حقيقي في وظيفة أي عضو ، كما أن التعبير عن الأعراض لا يتم خلال الجهاز العصبي الذاتي أو الحسي الحركي ، وإنما هو اضطراب في محتوى الفكر أساسا ، وفي " صورة الجسم " في المخ (18) .
أسباب توهم المرض :
من أهم الأسباب ما يلي :
1 – الوراثة :
       كثيرا ما يوجد هذا العصاب في عائلات شديدة الاهتمام بالمرض ، يشكو أكثر من فرد من أفرادها بنفس المرض أو بعصاب آخر ... وأحيانا ما يوجد تاريخ ذهاني في العائلة . (18)
2 – البيئة :
       تتصف أسرة المريض عادة بالتركيز على الصحة الجسمية ، والإكثار من التردد على الأطباء ، والخوف من المرض ، مما يجعل اهتمام المريض يتركز منذ كان طفلا على جسمه ووظائفه ، فإذا ما واجه ضغطا ما في البيئة ظهر المرض (18)
3 – أسباب مرسبة لتوهم المرض :
       قد يكمن السبب في صراع لاشعوري ، أو رفض موقف مزمن ، أو تهديد داخلي بظهور ذهان كامن (7) أو الحساسية النفسية عند بعض الناس ، حيث تجدهم يتوهمون أنهم مرضى بمرض يكونون قد سمعوا عنه من الأطباء أو المعالجين ، وفهموا فهما غير سليم أو أساءوا الفهم ، أو يكونون قد قرءوا عنه قراءة غير واعية ، وعلى غير أساس علمي في الكتب و المجلات الطبية . والاضطرابات الانفعالية الطويلة ، أو وجود القلق والضعف العصبي ، ووجود العدوان المكبوت ، ومحاولة مقاومته ، أو الفشل في الحياة بصفة خاصة الفشل في الحياة الزوجية ، وشعور الفرد بعدم قيمته وعدم كفايته ورفضه . ويكون توهم المرض بمثابة تعبير رمزي عن هذا الشعور ، ومحاولة الهرب من مسئوليات الحياة أو السيطرة على المحيط عن طريق كسب المحيطين والمخالطين ، أو العدوى النفسية ، حيث يكتسب المريض الأعراض من والديه اكتسابا ، حيث يوجد توهم المرض لديهما ، وحيث يلاحظ اهتمامهما أكثر من اللازم بصحة الأولاد ، أو خبرة المعاناة الشديدة من مرض سابق ، ووجود العدوان المكبوت ومحاولة مقاومته ، أو وجود تهديد شخصي لا شعوري ، مثل قرب دنو الأجل كما في الشيخوخة ، والخوف من فقدان الحب ، وانهيار الدفاعات النفسية ذد دفعات العدوان الجنسي (7 ) وقد تكون كل هذه العوامل سببا في ظهور هذا العصاب (18) .


أعراض توهم المرض :
       تتركز الأعراض أساسا في الشكوى من أعراض جسمية وآلام متنقلة وصداع ، وما يصاحبه من وهن ، وقد تكون هذه الشكاوي مبررا لأعراض نفسية أخرى مثل ضعف التركيز أو الانصراف عن الاستذكار ... وينبغي أن نلاحظ أنه إذا زادت الأعراض ، نخشى أن يكون وراءها ذهان كامن (18) .
فيما يلي أهم أعراض توهم المرض :
1 – تسلط فكرة المرض على الشخص ( وسواس ) . والشعور العام بعدم الراحة .
2 – تضخيم شدة الإحساس العادي بالتعب والألم ، والاهتمام المرضي ، والإشغال الدائم بالجسم والصحة والعناية الزائدة بها ، وكثرة التردد على أطباء عديدين ، والمبالغة في الأعراض التافهة وتضخيمها ، والاعتقاد أنها مرض خطير ( فمثلا المغص يعتبره قرحة في المعدة ... وهكذا ) .
3 – الشكوى من اضطرابات جسمية خاصة في المعدة والأمعاء وأي جزء أخر من أجزاء الجسم . ( فمثلا المراهق الذي يعاني من صراعات جنسية يكون توهم المرض لديه متمركزا حول الأمراض السرية والجنسية ) ، وقد يؤدي هذا إلى حالة انسحاب كامل بعيد عن العالم المحيط به .
4 – الشعور بالنقص ، مما يعوق الاتصال الاجتماعي ويؤدي إلى الانعزال أو الانسحاب .(7 (


تشخيص توهم المرض :
1 – من النادر أن يظهر توهم المرض كعصاب مستقل ، ولكن الأغلب أن يظهر كعرض مرافق لاضطراب نفسي آخر ( مثل الاكتئاب ) ، كما في حالات اكتئاب سن القعود مثلا .
2 – وفي بعض الأحيان يكون توهم المرض مجرد إضافة إلى مرض عضوي ، يجعل الأعراض مبالغا فيها .
علاج توهم المرض :
       نحن الآن أمام شخصية ترفض الشفاء من مرض لا وجود له ... فالشفاء معناه مواجهة الحقيقية ... ومواجهة الحقيقة معناه القلق والتوتر ... وهكذا يرفض المريض الشفاء . ويحدث كل ذلك دون أن تشعر الشخصية بأي شيء من ذلك .... ولكن ... كيف يرفض المريض الشفاء ؟
       إن ذلك يحدث في أكثر من صورة ... قد يقف المريض موقفا سلبيا من العلاج ، قد يقاوم العلاج النفسي ... قد يهرب من العلاج عن طريق استبدال الطبيب المعالج كل فترة ... بل ونلاحظ أن المريض يكون هنا حريصا على زيارة أكبر عدد من الأطباء ، وكأن المريض يحتاج إلى أكبر عدد ممكن من الشهود يؤكدون بتذاكرهم الطبية وجود المرض .. ووجود العذاب الذي يستحق الرحمة من الآخرين .
       والآن ... كيف نقود المريض الذي يرفض الشفاء ... إلى طريق العلاج الحقيقي (24)


تتلخص أهم ملامح علاج توهم المرض فيما يلي :
1 – العلاج العضوي لتوهم المرض : استخدام الأدوية النفسية الوهمية ، واستخدام الأدوية المهدئة (7 ) . فقد يفيد علاج العقاقير مثل مضادات الاكتئاب والمهدئات في التخفيف من التوتر المصاحب ، وأحيانا ما يزيد الاكتئاب المصاحب لدرجة تبرر علاج المريض بالصدمات الكهربائية ... إلى أنه في كثير من الأحيان ما تزيد الأعراض نتيجة للآلام المصاحبة للصدمات ، لذلك فيستحسن تجنب الصدمات الكهربائية ما أمكن (18) .
2 – العلاج النفسي لتوهم المرض :
الذي يركز على التطمين منها ، وشرح العوامل التي أدت على كشف صراعاته الداخلية والتخلص منها ، وشرح العوامل التي أدت إلى المرض والعلاقة بينها وبين الأعراض ، وتوجيه مجال الاهتمام من الذات إلى مجالات أخرى ، ويفيد هنا العلاج النفسي المختصر ، والعلاج النفسي الجماعي (7) . وقد نلجأ في ذلك إلى العلاج السلوكي أو العلاج التدعيمي ، ونادرا إلى العلاج التحليلي العميق (18) .
3 – العلاج الاجتماعي لتوهم المرض : 
ودوره هنا أقل ، لأن الأسباب الخارجية رغم أهميتها تكون عاملا مرسبا فقط ، ونادرا ما تزول الأعراض تماما لأن المشكلة عميقة الجذور داخل النفس (18) ولكن قد نلجأ إلى والعلاج بالعمل والرياضة والترفيه لإخراج المريض من دائرة التركيز إلى ذاته ، وتعديل البيئة والمحيط الأسري ومحيط العمل (7) .
4 – الإرشاد العلاجي للمريض ، وإرشاد الأسرة ، خاصة مرافقي المريض ، كالزوج مثلا نحو عدم المبالغة في العطف والرعاية وعدم المعاملة بقسوة ... إلخ .
5 – مراقبة المريض خشية الانتحار إذا كان توهم المرض مرافقا للاكتئاب .
مآل توهم المرض :
       يكون مآل توهم المرض أفضل بصفة عامة كلما كانت أسبابه محدودة وأعراضه واضحة ومكاسبه الثانوية قليلة وتعاون المريض صادقا في عملية العلاج (7).
وفيما يلي حالة تدل على خصائص هذا النوع ( لتوهم المرض ) :
       موظفا ، عمره ( 37 سنة ) ، متزوج منذ (12 سنة ) ، ولم ينجب .... ويعمل موظفا في بنك ، جاء يشكو من آلام حول صدره وفي أسفل ظهره ... و " مغص في سمانة رجلي ، وانفجار في مخي ، وزي شكشكة في طراطيف صوابعي ... والكبد مش منتظم مع المرارة ... ومعدتي مش كويسه " ...
       وكان كلما أقنع بأن هذا العضو سليم حسب الكشف والتحليل ، أشتكى من عضو آخر ... وهكذا .
       وقد كان لا يستمر على علاج يعطى له أبدا ، ولا يحضر في مواعيد العلاج النفسي ، وكان يبدو في قراره نفسه وكأنه لا يريد أن يتخلص من هذه الأعراض رغم شكواه بالألفاظ منها ... ثم انقطع تماما عن العلاج بعد عدة أسابيع ..
       وهكذا نرى أن هذا العصاب – توهم المرض – من أشد أنواع العصاب مقاومة للعلاج ، وهو يماثل في ذلك عصاب الوسواس القهري ... والإثنان يعتبران من العصابات التي تخفي وراءها - في كثير من الأحيان – ذهان كامن ، ومن هنا تأتي مقاومة المريض للعلاج حتى لا يتعرض لخبرة الذهان المرعبة . (18) .
xx
[تصفح أقسام المكتبة المجانية][grids]