أهم مشكلات الشيخوخة النفسية وعلاجها

Problems of Ageing
الشيخوخة مجموعة من تغيرات جسمية ونفسية تحدث بعد سن الرشد ، وفي الحلقة الأخيرة من الحياة .
       فمن التغيرات الجسمية الضعف العام في الصحة ، ونقص القوة العضلية ، وضعف الحواس ، وضعف الطاقة الجسمية والجنسية بوجه عام ، كما قال تعالى : " الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير " صدق الله العظيم ( سورة الروم آية : 54 )
       ومن المتغيرات النفسية ضعف الانتباه والذاكرة وضيق الاهتمامات والمحافظة وشدة التأثر الانفعالي والحساسية النفسية ( أي يشتكي من غير علة ) ( 26 ) .
       ويمكن أن تمر مرحلة الشيخوخة في توافق ، لو تحققت مطالب النمو في هذه المرحلة على وجه سليم . بتوافق مع التقاليد والعادات السائدة المجددة ، والخاصة بالأجيال المختلفة . ولكن قد يعوق التمسك الجامد بالتقاليد والمهارات من التوافق الاجتماعي عند الشيوخ ، ويحتاج التوافق الاجتماعي أيضا إلى التوافق مع الأجيال الأخرى حتى يحقق الشيخ لنفسه التوافق الاجتماعي الضروري للحياة الهادئة . (7)
أسباب مشكلات الشيخوخة :
       من أهم أسباب مشكلات الشيخوخة ما يلي :
1 – الأسباب الحيوية :
       كالتدهور والضعف الجسمي والصحي العام .
2 – الأسباب النفسية :
       كالفهم الخاطئ لسيكلوجية الشيخوخة بأن الشيخ المسن يجب أن يمشي متثاقلا يتأوه مادام قد وهن العظم منه واشتعل الرأس شيبا . كذلك تؤثر الأحداث الأليمة والخبرات الصادمة التي قد تهز كيانه هزا ، وتهد شخصيته هدا . ويزيد الطين بلة أن بعض الشيوخ قد يصلون إلى مرحلة الشيخوخة ومازالت شخصياتهم لم يتم نضجها ( كما يقول المثل العامي : شابت لحاهم والعقل لسه ما جاهم ) .
3 – الأسباب البيئية :
       كالتقاعد وما يرتبط به من نقص الدخل وزيادة الفراغ ، قد يكون كسبب مرسب للمشكلات النفسية ، وخاصة أن الناس يربطون بين التقاعد ( عن العمل ) ، وبين التقاعد ( الجسمي النفسي ) ، ويرون أن المسن عديم الفائدة ولا قيمة له ، وأن التقاعد معناه اعتزال الشيخ الحياة . ومن الأسباب البيئية كذلك التغير في الأسرة وترك الأولاد للأسرة بالزواج أو العمل ، خاصة في حالة حاجة الشيخ إلى رعاية صحية أو مادية ، وتفكك روابط الأسرة الكبيرة وضعف الشعور بالواجب نحو المسنين وافتقارهم إلى الرعاية ، وربما الاحترام . ومنها أيضا العنوسة والعزوبة حتى سن الشيخوخة وخاصة السيدات والإضراب عن الزواج عند بعض الرجال .
أهم مشكلات الشيخوخة :
       فيما يلي أهم أشكال مشكلات الشيخوخة :
1 – المشكلات الصحية :
       المرتبطة بالضعف الصحي العام ، والضعف الجسمي ، وضعف الحواس ، وضعف القوة العضلية ، وانحناء الظهر ، وجفاف الجلد وترهله ، والإمساك ، وتصلب الشرايين ، والتعرض بدرجة أكبر من ذي قبل للإصابة بالمرض ، وعدم مقاومة الجسم . وقد يظهر لدى الشيخ توهم المرض وتركيز الاهتمام على الصحة . فالكحة البسيطة قد يبالغ في القلق بخصوصها ، وعسر الهضم ، أو الصداع قد ينظر إليه على أنه مرض خطير ... إلخ .
2 – المشكلات العاطفية :
       المتعلقة بضعف الطاقة الجنسية أو التثبيت بها . فقد يتزوج الشيخ الميسور من فتاة في سن بناته ، ويتصابى ، وإذا ما ضعف جنسيا ألقى اللوم عليها ، وبدأ يشك في سلوكها . وقد يتصرف بعض الشيوخ تصرفات جنسية شاذة ، وقد يأتون سلوكا لا يستحسن ولا يوقر شيبهم ، كما يقول المثل العامي ( شايب وعايب ) ( 7 )


3 – مشكلة سن القعود ( سن اليأس ) :
       سن اليأس عند المرأة يتعين بمرحلة انقطاع الحيض ، وعند الرجل يتعين بالضعف الجنسي . ويكون سن القعود مصحوبا في بعض الأحيان باضطراب نفسي أو عقلي قد يكون ملحوظا أو غير ملحوظ ، ويكون ذلك في شكل الترهل والسمنة والإمساك والإجهاد والذبول والعصابية والصداع والاكتئاب النفسي والأرق .
4 – مشكلة التقاعد :
       وتعتبر على رأس المشكلات التي يجب وضعها في الحسبان . فعندما يحين وقت التقاعد وما يصاحبه من زيادة الفراغ ونقص الدخل يشعر الفرد بالقلق على حاضره ، والخوف من مستقبله ، مما قد يؤدي به الإنهيار العصبي وخاصة إذا فرضت عليه حياته الجديدة بعد التقاعد الفجائي أسلوبا جديدا من السلوك لم يألفه من قبل ، ولا يجد في نفسه المرونة الكافية لسرعة التوافق معه ، وخاصة إذا لم يتهيأ لهذا التغير . وخاصة إذا شعر وأشعره الناس أنه قد أصبح لا فائدة منه بعد أن كان يظن أنه ملء السمع والبصر .
5 – ذهان الشيخوخة ( خبل الشيخوخة أو خرف الشيخوخة ) :
       ويصبح الشيخ أقل استجابة وأكثر تمركزا حول ذاته يميل إلى التذكار وتكرار حكاية الخبرات السابقة ، وتضعف ذاكرته بالنسبة للحاضر ، بينما تظل قوية بالنسبة لخبرات الماضي ، وتقل اهتماماته وميوله . ويلاحظ نقص الشهية للطعام ، والأرق ، وتقل طاقته وحيويته ، ويصبح غير قادر على المبادأة وغير قادر على التوافق بسهولة ، ويشعر بقلة قيمته في الحياة . مما يؤدي إلى الاكتئاب وسرعة الاستثارة والعناد والنكوص إلى حالة الاعتماد على الغير وإهمال النظافة والملبس والمظهر والاستهتار الجنسي أحيانا . 
6– الشعور الذاتي بعدم القيمة وعدم الجدوى في الحياة :
       كالشعور أن الآخرين لا يقبلونه ، ولا يرغبون في وجوده ، وما يصاحب ذلك من ضيق وتوتر ، وقد يقدم بعضهم على الانتحار .
7 – الشعور بقرب النهاية :
       فقد يعيش بعض الشيوخ وكأنهم ينتظرون النهاية والقضاء المحتوم ويتحسرون على شبابهم ، كما يقول الشاعر : ألا ليت الشباب يعود يوما ... فأخبره بما فعل المشيب .
8 – الشعور بالعزلة والوحدة النفسية :
       ويزيد من هذا الشعور زواج الأولاد ، وانشغال الأولاد كل في حالة ، وفي عالمه الخاص ، وموت الزوج ، وتقدم العمر ، والضعف الجسمي والمرض أحيانا ، ممل يقلل دائرة الاتصال الاجتماعي ، وتناقص أفراد جيله يوما بعد يوم بالموت . وقد تقتصر العلاقات الاجتماعية للشيخ على أولاده وحفدته . وقد يعيش بعض الشيوخ المسنين في وحدة قاسية .
9 – اضطراب العلاقات الاجتماعية :
       وضعف العلاقات بين الشيخ وأصدقائه وانحصارها تدريجيا في دائرة ضيقة تكاد تقتصر على نطاق الأسرة .


10 – الأنانية :
       وقد تشاهد عند بعض الشيوخ ، فيلاحظ ازدياد اهتمام الشيخ بنفسه مثل أنانية الأطفال ، حيث يريد اهتماما خاصة مستمرا به وبطلباته . وأحيانا تؤدي هذه الأنانية إلى تهديد السعادة الزوجية لأولاده (7).
11 – التطرف في نقد سلوك الجيل التالي :
       وخاصة الأولاد والحفدة ونقد المعايير الاجتماعية . وهذا مظهر من مظاهر صراع الأجيال .
12– قد تضعف حيويته بصفة عامة .
13 – تدهور في العادات العضوية ، خاصة عادات الإخراج ( فيتبول ويتبرز المريض على نفسه ) .
14 – برود العاطفة وأحيانا الاكتئاب أو الضحك السطحي بغير داع (24).
علاج مشكلات الشيخوخة :
       وتتلخص أهم ملامح علاج مشكلات الشيخوخة فيما يلي :
1 – العلاج الطبي :
       كعلاج الأعراض الطبية المرتبطة بالضعف العام والضعف العضلي والإمساك والاهتمام بالغذاء والنظافة ، وحث الشيخ على الحركة وعدم كثرة النوم واستخدام المنومات في حالة الأرق ، واستخدام المهدئات إذا لزم الأمر . ويستخدم العلاج بالرجفة الكهربائية في حالات الاكتئاب . وينصح بزيادة النشاط والحركة والقيام ببعض الرياضة تجنبا للانهيار الصحي . وينصح بالإقلاع عن التدخين أو على الأقل الإقلال منه .
2 – العلاج النفسي :
       والذي يهدف إلى تحقيق الأمن النفسي والانفعالي وإشباع الحاجات  وتحقيق عزة النفس للشيخ ، وشعوره بالحب ، وأنه مطلوب ، وأن أهله في حاجة إليه ، وإقناعه بأن ما تبقى له من قوى عقلية وجسمية تكفي لإسعاده في الحدود التي يفرضها سنه ، يفيد في ذلك العلاج بالعمل .
3 – إرشاد الشيوخ :
       علاجيا ومهنيا وأسريا مع الاهتمام بمشكلات وقت الفراغ ، وتقديم الخدمات الإرشادية المتخصصة ، وخاصة في مؤسسات رعاية الشيوخ .
4 – العلاج البيئي :
       وهنا يجب تنمية اهتمامات وميول الشيوخ وملء وقت فراغه بوسائل التسلية ودفعه إلى المشاركة في الحياة الاجتماعية ، والاهتمام بمظهره العام . ويجب تشجيع الشيخ على ممارسة الهوايات للتخفيف من متاعب وقت الفراغ . ولتحقيق التوافق النفسي والاجتماعي يجب الاهتمام بالتأهيل النفسي والاجتماعي للشيخ . ويجب التوسع في إنشاء مؤسسات لرعاية الشيوخ المسنين لتوفير الرعاية لهم على كافة المستويات حسب قدراتهم وطاقاتهم بحيث يمكن لكل منهم الحياة في شيء من الراحة الصحية مع الآخرين . كذلك يجب التغلب على أزمة التقاعد بالتمهيد العملي والنفسي لها ، وذلك عن طريق التقاعد التدريجي الذي يبدأ في منتصف العمر بين سن ( 50 – 60 ) بإنقاص ساعات العمل تدريجيا إلى النصف ، ثم إلى الثلث ، ثم إلى الربع ، ثم ينتهي هذا التناقص التدريجي إلى التقاعد ، وذلك عن طريق زيادة الإجازات الأسبوعية والسنوية ، ويجب تدريب الأفراد على المهارات والهوايات المناسبة لاستغلال أوقات الفراغ ، وخير للمجتمع أن يجد عملا جديدا للمتقاعدين – ولو بعض الوقت – يتناسب مع قواهم ومواهبهم مثل استخدامهم في الاستشارات والتوجيه بدلا من مجرد إعالتهم ، ويعتبر هذا نوعا من " العلاج بالعمل " .(7 )    
       ومن الجدير بالذكر أنه بعد دخول العقاقير الحديثة إلى مجال العلاج في الأمراض النفسية ، وكذلك بعد الاهتمام بالتشخيص المبكر للذهان ، أصبحت مشكلة التفرقة بين العصاب والذهان مشكلة صعبة ، والخلط بينهما أكثر فأكثر ...
       وهناك تصنيف لما يمكن أن يسمى الحالات الوسط ، تشمل أنواعا من اضطرابات الشخصية والأشكال المجهضة ( التي لم تكتمل مسيرتها المرضية ) للذهان ، والأشكال التي يصعب وضعها بين السواء والمرض  وهي مجموعة تكمل ما يسمى بالحالات " البين بين " التي تقع بين العصاب والذهان ، ولا يمكن تصنيفها ( في البداية على الأقل ) إلى أي من التشخيصين (18).
       لكل ذلك فإننا نشير هنا إلى وجوب التحفظ في تصور إمكان التفرقة الشديدة بين هذين النوعين من الأمراض ... لما طرأ على تصنيفهما من تغيرات في السنين الأخيرة ...
       ولكن إ ذا ما أردنا تعريف المرض النفسي والمرض العقلي فإننا نقول :
المرض النفسي هو اضطراب وظيفي في الشخصية ، وهذا الاضطراب نفسي المنشأ ، ويبدو في صورة أعراض نفسية وجسمية مختلفة ، ويؤثر في سلوك الشخص ، فيعوق توافقه النفسي ، ويعوق ممارسته لحياته السوية في المجتمع الذي يعيش فيه .


والمرض العقلي هو اضطراب عقلي خطير وخلل شامل في الشخصية ، يجعل السلوك العام مضطربا ويعوق نشاطه الاجتماعي ..
xx
[تصفح أقسام المكتبة المجانية][grids]